سياسية

الجيش يتقدم و”الدعم السريع” يعد بعدم التراجع وسط حشد قبلي

على صوت الرصاص ورائحة البارود، استقبل سكان إقليم دارفور غربي السودان شهر أكتوبر، وعلى نحو مفاجئ أعلنت القوة المشتركة للحركات المسلحة، والتي تقاتل إلى جانب الجيش الحكومي، السيطرة على قاعدة “بئر مزَّة”، الاستراتيجية والتي كانت تستخدمها قوات الدعم السريع في تمويل وإمداد قواتها التي تحاصر لأشهر مدينة الفاشر، حيث كانت آخر معاقل الجيش في الإقليم المشتعل.
“العملية” وُصفت بأنها محاولة جادة لفك الخناق عن الفاشر، وانفتاح القوات المشتركة والجيش السوداني على مناطق كانت تُسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب في أبريل العام الماضي.

خارطة السيطرة
وتطل ولاية شمال دارفور على صحراء تشاركها فيها الولاية الشمالية وبوابة السودان شمالاً، بينما تعد غرب دارفور أهم ولايات غرب البلاد إلى الحدود مع دولة تشاد عبر معبر “أدري” الشهير، بينما تقع جنوب دارفور على الحدود مع دولة جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، أما شرقها فهو بوابة نحو إقليم كردفان، وتسيطر قوات الدعم السريع على غرب دارفور وشرقها وجنوبها ووسط دارفور وأجزاء من شمالها.
ومنحت السيطرة على الولايات الحدودية “الدعم السريع” طوال الفترة الماضية التفوق العسكري على الجيش السوداني، حيث طالتها اتهامات باستخدام الحدود مع تشاد وإفريقيا الوسطى في الإمداد العسكري وتدريب القوات.

من الدفاع إلى الهجوم
وفي حديث لـ”الشرق”، قال المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة للحركات المسلحة المقاتلة إلى جانب الجيش السوداني الرائد أحمد حسين، إن”القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح ظلّت منذ بداية الحرب في حالة الدفاع، والآن وضعنا خطة جديدة وهي الهجوم والانفتاح، وذلك من أجل ملاحقة الميلشيات ومرتزقتهم في كل مدن ومحليات إقليم دارفور، والمدن السودانية، وقواتنا موجودة في كل المحاور”، حسب تعبيره.
وأضاف حسين: “حققنا انتصارات مهمة على مستوى دارفور في المحور الغربي في جبل أووم، وكُلبس، وسربا، بولاية غرب دارفور، وبذلك أغلقنا المنفذ والشريان الوحيد الذي يمد الدعم السريع، بالإمدادات اللوجستية والعسكرية”.

وصرّح المتحدث باسم القوة المشتركة السودانية أنهم مستمرون في تقدمهم حتى الوصول إلى مدينة الجنينة والسيطرة علي الحدود، لافتاً إلى تحقيق انتصارات في محور الصحراء شمالي دارفور في منطقة مدو، واصفاً ذلك بأنه “إنجاز مهم على مستوى المعارك منذ بداية الحرب، حيث استطعنا القضاء على آخر قوة صلبة للمليشيا في دارفور، وكبدناها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

وتابع: “تمت هزيمة الدعم السريع أيضاً في قاعدة (بئر مزَّة)، وهذه القاعدة هي معبر مهم كانت تستخدمه قوات الدعم لتجميع المرتزقة وحشد الإمدادات العسكرية. كما أن عملية المحور الشمالي ترتبط بفتح الطريق القاري الرابط بين مدينة الدبة في الولاية الشمالية، ومحلية مليط شمال دارفور، إلى جانب الطريق الرابط بين مدينة الكفرة الليبية ومليط، والذي أغلق بواسطة الدعم السريع، بعد استيلائها على مليط بغرض تشديد الحصار على مدينة الفاشر وفق زعمهم، وقريباً ستكتمل خطتنا، ويتم طرد المليشيات” من إقليم دارفور، حسب قوله.

“حرب وجودية”
الخبير العسكري اللواء ركن متقاعد محمد خليل الصائم أوضح لـ”الشرق”، أن هناك تعديل لميزان القوة في السودان، حيث باتت القوات المسلحة تمتلك زمام المبادرة والآن هي تتقدم مع القوات المشتركة للحركات المسلحة، حيث تخوض القبائل المكونة لهذه القوات حرباً وجودية، نكون أو لا نكون”.
وأضاف: “المعادلة تكمن في أن القبائل التي تدّعي أنها عربية مثل الماهرية والسلامات وغيرها، وهي من ضمن مكونات الدعم السريع، تعتقد أنها بالسيطرة على الفاشر، ستحكم قبضتها على كافة الإقليم، وبالتالي فرض نفوذها على الإقليم، لكن في المقابل المكونات الأخرى من القبائل الزنجية تُعد هذه المناطق موطنها الأصلي، وليس موطن (عرب الشتات)، ولذلك فإن الحرب الآن تختلف عن حرب الدعم السريع والجيش، إذ تُعد هذه حرباً وجودية بالنسبة للمكونات القبلية وبالنسبة للحركات المسلحة، وستُشكل استعادة دارفور أو معظمها تعديلاً في ميزان القوة، وتجعل موقف الجيش والحركات المسلحة أقوى”.
“الدعم السريع لن يتراجع”
وتقع مناطق غرب دارفور وشرق ووسط وجنوب دارفور تحت سيطرة الدعم السريع.

وقال عضو المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع عمران عبد الله لـ”الشرق”، إنه بعد الخطاب الأخير لقائد هذه القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي” واستنفاره للجنود، انخرطت أعداد كبيرة، وانضم العديد من المتطوعين، مشيراً إلى أنه لم يستطيعوا استيعاب كل الأعداد.

وتابع عبد الله: “يعلم أهالي تلك المناطق الفرق بيننا والجيش، حيث دائماً ما شهدوا في السابق نزاعات قبلية، ولم يكن يمضي عام إلا ويشهد قتالاً قبلياً، لكن عقب سيطرتنا وضح الفرق جلياً، إذ اتضح أن هذه الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش لا تقاتل لأجل المواطن، وإنما لمصالحها الخاصة، واتفاقية جوبا التي أتت بحاكم إقليم دارفور مناوي، لم يقدم من خلال منصبه شيء لمواطني دارفور، لذلك الحركات المسلحة التي مع الجيش رُفضت حتى من حواضنها الاجتماعية”.

واعتبر عضو “الدعم السريع” أنه على الرغم من الهجمات الشديدة للجيش السوداني وحلفائه، إلّا أن قوات الدعم السريع لن تتراجع عن مناطق سيطرتها في إقليم دارفور، عقب الهجمات الأخيرة للحركات المسلحة والجيش.

حشد قبلي في صمت
بينما تتمدد المعارك في الإقليم الذي عانى من حروب متلاحقة، ازدادت حالة الانقسام بين مكونات دارفور، وتصاعدت حالة التحشيد القبلي لدى مختلف المكونات، حيث تقاتل بعض القبائل إلى جانب الجيش السوداني، وتقاتل قبال أخرى إلى جانب قوات الدعم السريع.

وبدأت تعلو التحذيرات من أن تعميق الشرخ بين القبائل قد يدفع الإقليم إلى مستنقع الحرب الأهلية.

أوضاع إنسانية كارثية
في وقت سابق الأحد، أفادت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، أن آلاف الأسر فرّت من بلدتين بمحلية سربا في ولاية غرب دارفور، عقب اشتباكات بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة، بينما رحل أكثر من 8 آلاف من مواطني سربا، وأبوسروج.
وذكرت مصادر محلية لـ”الشرق” أن الآلاف من سكان مناطق دونكي البعاشيم، وجبل مزّة نزحوا أيضاً، وسط أوضاع إنسانية كارثية.
بينما أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” توقف خدماتها في معسكر “زمزم” للنازحين، بعد أن كانت ترعى 5 آلاف طفل يعاني من سوء التغذية بينهم 2900 يعانون منها بشكل حاد، وفي المقابل وصل نازحون من منطقة “جبل مون ” إلى شرقي تشاد في حالة سيئة، بعد قطعهم المسافة سيراً على الأقدام أو ركوباً على الدواب.
وفي ظل الفوضى التي يغرق بها معظم مناطق السودان، تدق المنظمات الدولية ناقوس الخطر بتمدد حالات سوء التغذية والمجاعة لتصل مناطق جديدة في إقليم دارفور، بسبب اتساع رقعة المعارك.

الشرق