(نجـــــــوم في الحــــرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمــد جمــال قنـــدول
الكاتب الصحفي عثمــــان ميــــــرغني لـ(الكـــــــرامة):
قيادات ب(قحت) أوعزت لقائد المليشيا بتنفيذ (انقلاب عسكري) ..
(…..) هذا ما دار بيني وحميدتي قبل الحرب..
موقفي مع الجيش وظللت اكتب يوم عيده لثلاثين عاما..
نتمنى خروج الجيش من الحكم والسلطة بعد الحرب مباشرةً
خططوا لاستلام السلطة بضربةٍ خاطفةٍ وسريعة .. فوقعت الحرب
انتصار القوات المسلحة يعني الاقتراب من السلام، والعكس ..
للأسف (تقــــدم) وقعت في هذين الخطأين (….)
لهذا السبب التفاوض مهمٌ جدًا (….)
مبنى (التيار) من أوائل المقار التي دخلها الدعم السريع..
(العربية والحدث) كانت تتصل بي (5) أو (6) مرات يوميًا
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الكاتب الصحفي عثمان ميرغني، صاحب الآراء المثيرة للجدل، فماذا قال عن حرب الجيش والميليشيا:
أين كنت في اليوم الأول من الحرب؟
في اليوم الأول كنت في المنزل، وكان لدي موعدًا في الجوازات بمجمع السجانة لاستلام جواز سفر جديد، ولكن لم أستطع الخروج بعد سماع أنباءٍ عن إطلاق نار في بعض مناطق العاصمة، فى مرحلة أولية لم يكن واضحًا خلالها هل هي حربٌ أم مجرد اشتباكات بمناطق تماس بين الجيش والدعم السريع.
كيف تلقيت نبأ اندلاع الحرب؟
بدأتُ التواصل مع الشخصيات العسكرية، وهم نفسهم في البداية لم يكن لديهم معلوماتٍ واضحة عن الذي يجري، ولكن بعد دقائق قليلة بدأت الصورة تتضح لديهم ونقلوا لي تفاصيل الهجوم على المدينة الرياضية، والقصر، ومنزل القائد العام، وبعدها ظللت أُتابع عبر الهاتف ما يجري، وكان مقر (صحيفة التيار) من أوائل المقار التي دخلتها قوات الدعم السريع.
كيف مر اليوم الأول؟
لم أخرج من المنزل، ولكني كنت أرد على الفضائيات وأظهر معهم عن طريق الإنترنت حتى صباح اليوم التالي.
كم مكثت في منزلك؟
الأُسبوع الأول كنت في منزلي بأم درمان، ثم خرجت لمنطقة الخليلة شمال بحري.
ما الذي دفعك لاتخاذ قرار المغادرة؟
أولًا: هو نوع من محاولة تجنيب أفراد الاُسرة متابعة الأحداث، خاصةً وأنّ هنالك هجوم بالقرب من منزلي بشارع النيل، وأخذتُ العائلة للمنزل الكبير وأصلًا كانت فرصة عيد الفطر، حيث مكثنا هناك لمدة أسبوع.
ثم ماذا؟
عدت بأم درمان مرةً أخرى لأنّ طريق كبري الحلفايا كان مفتوحًا.
الرحلة من أم درمان للخليلة والعكس؟
في رحلة الذهاب، لم تكن هنالك مشاكل، لكن بعد وصولنا للخليلة حدث اشتباكٌ قويٌ بين الجيش والدعم السريع بالكدرو واستشهد فيه أحد أبناء الخليلة من جنود الجيش، وفي رحلة العودة، كانت هادئة ولم يكن هنالك أثر لمعارك جديدة، وبعد كبري الحلفايا وجدنا آثار اشتباكاتٍ كبيرة.
عدت لأم درمان لماذا؟
لأُتابع من أم درمان، خاصةً وأنّ الشبكة في الخليلة كانت ضعيفة.
متى غادرت للقاهرة؟
بعد شهرٍ ونصف من الحرب.
ما الذي دفعك لاتخاذ قرار المغادرة لخارج البلاد؟
في الفترة الأولى كنت أعتقد بأنّ الحرب حدثٌ تاريخيٌ والحضور عمليًا ومتابعتها كشاهد عيان للتوثيق، والرصد والمتابعة مهم، ولكن قبل مغادرتي للقاهرة بيومٍ واحد، كان هنالك اشتباكٌ قويٌ بين الجيش والدعم السريع، وكان الأطفال والأُسرة بالمنزل في حالة ذعرٍ وخوف، واتخذت قرار المغادرة للمحافظة على أمن الأُسرة، واتصلت الصباح وسافرنا حوالي العصر.
يوميات الحرب؟
خلال الفترة التي مكثت فيها بمنزلي على مدار الساعة، أتابع الأخبار بدقةٍ وأتحدث مع كل الفضائيات والإذاعات بصورةٍ مستمرة. وأذكر انّ قناة (العربية والحدث) كانت تتصل بي يوميًا 5 أو 6 مرات في اليوم، وأظهر في الفترة من 12 ليلًا وحتى الصباح عدة مراتٍ.
هذه حرب مختلفة عن سابقاتها؟
ليس هنالك سابقات، كان أحيانًا تحدث اشتباكات مثل الذي حدث مع قوات (العدل والمساواة) لساعاتٍ قليلة، والذي حدث سنة 1976 اجتياح العاصمة أيضًا كان ساعاتٍ قليلة، فهذه أول حرب بهذا المستوى والحجم من الخسائر والدمار للبنية التحتية.
ماذا فقدت في هذه الحرب؟
قوات التمرد احتلت مقر الصحيفة منذ اليوم الأول، ولا نعرف ما الذي جرى هنالك حتى الآن.
عادة فقدتها مع هذه التجربة؟
العمل في الصحيفة والمنتديات التي كنا نقيمها مثل (كباية شاي)، والنشاط اليومي شكل لنا غيابًا كبيرًا وفراغًا، والتواصل مع الأهل.
كيف تقرأُ راهن الأحداث خلال الفترة المقبلة؟
الحمد لله الآن هنالك انتصاراتٍ للجيش السوداني، وهذه الانتصارات تقرب السلام، كلما استطاع الجيش أن يحقق انتصارًا، فذلك يعني الاقتراب من السلام وليس الحرب، عكس الوضع بالنسبة للتمرد والذي كلما انتصر أصبحت الحرب أوسع والسلام أبعد.
هل بعد كل الانتهاكات التي حدثت من الميليشيا سيتم التفاوض؟
التفاوض مهمٌ جدًا لإنهاء الحرب وليس لوقف إطلاق النار، ولاستعادة الوضع الطبيعي الذي يمكن البلاد من الانطلاق نحو النهضة والاستقرار وقفل ملفات الحروب للأبد.
مجرد ذكر كلمة (تفاوض)، الرأي العام الشعبي يغلي ويرفض؟
هنالك فهمٌ خطأ، البعض يعتقد بأنّ (التفاوض) يعني قبول وجود التمرد وتجاوز الجرائم التي حدثت. والتفاوض يعني الوصول للسلام الكامل وإغلاق ملف الحرب. والتفاوض يجب أن يكون حول بندين فقط الأول: تفكيك الميليشيا، والثاني: تسليم جميع الأسلحة والمقار العسكرية للجيش السوداني.
ألا تتفق معي، بأنّ هذه الحرب باعدت الثقة بين الشعب والقوى السياسية؟
أسوأ أوجه هذه الحرب، أنّ الثقة انهارت تمامًا بين الشعب والقوى السياسية، لانّ الشعب أُصيب بشكل مباشر ويحمل القوى السياسية المسؤولية الأولى عن هذه الحرب. وأنا كتبتُ كثيرًا وأُحِثُ القوى السياسية بأن تحاول إعادة تقديم نفسها للشعب مرةً أخرى قبل نهاية الحرب.
مجموعة (تقـــدم)، هل استنفدت رصيدها السياسي؟
كان من الممكن أن يكون تحالفًا سياسيًا ومجتمعيًا له إسهامٌ في العملية السياسية، لكن للأسف وقع في أخطاءٍ قاتلة، أولها: توقيع الإعلان المشترك مع التمرد، والذي جعلهم بمثابة الزراع السياسي للتمرد، والثاني: محاولتهم إقصاء القوى السياسية الأخرى واحتكار المشهد، وهو ذات الخطأ الذي وقع فيه المجلس المركزي للحرية والتغيير في الاتفاق الإطاري، لأنّهم أقصوا بقية القوى السياسية بحجة الإغراق.
من أشعل الحرب، (الميليشيا) أم (تقدم) أو (الإطاري)؟
هو انقلاب عسكري أوعزت به بعض القيادات بالمجلس المركزي للحرية والتغيير إلى قيادة الميليشيا، وتم التخطيط على أساس استلام السلطة بضربةٍ خاطفةٍ وسريعة تشكل انقلابًا عسكريًا بالمعنى الفني، ولكن شاء الله أن تفشل الخطة. ولجأ التمرد للخطة (ب)، وهي مهاجمة منزل البرهان والقيادة العامة على أمل تصحيح خطأ الخطة (أ) سريعًا. واستطاع الجيش إفساد كل ذلك، فتحول السيناريو لحربٍ شاملة.
جلست للمتمرد حميدتي قبل الحرب، ماذا دار في ذلك اللقاء؟
كان لقاءً صحفيًا للرد على عمود كتبته في يوم الثلاثاء 28 فبراير، أطالبه بدمج الدعم السريع فورًا بالجيش، والانتقال من الملعب العسكري للسياسي، وهذا الحديث مذكورٌ في عمودي بتفاصيله، وقدم فيه مرافعة ولكن لم يتطرق على الإطلاق لأي حديث عن خطة ينوي تنفيذها.
بالمنطق، لا يمكن لشخص يخطط لانقلاب عسكري، بأن يستدعي صحفي ليشرح له انقلابه العسكري.
لم تلتقيه بعد ذلك؟
لا، لم ألتقيه بعد ذلك.
شخصيتك مثيرة للجدل، كيف تتقبل الانتقادات؟
الفكرة أحاول دائمًا أن أُشارك بالفكرة والرأي، والذي أحيانًا لا يعجب البعض، وللأسف بدلًا من الرد على الفكرة والرأي، يلجأُ البعض لأسلوب الهجوم الشخصي ومحاولة نقل السجال لقضايا شخصية وليس موضوعية. وحقيقةً مهمة الصحفي أن يكون متفاعلًا مع قضايا وطنه، وأن يُدلي برأيه عن ردود الأفعال إن كانت ضد أو مع، وإلّا أصبح الرأيُ نوعًا من المجاملة أو المداهنة.
البعض يرى بأنّك متقلب المواقف؟
هذا ليس صحيحًا، وإنّما أُعلق على وضعٍ متقلب، البعض يخلط بين الرأي والموقف، وأنا موقفي مع الجيش واضح من قبل الحرب، وكنت أكتبُ كل عامٍ يوم 14 أغسطس بمناسبة عيد الجيش عمودًا بعنوان (جيشنا)، وظللت أفعل ذلك لقرابة الثلاثين عامًا عندما كان البعض لا يعرف الجيش.
ولكن في مجال الرأي، فأن أقول الرأي بغض النظر من موقفي من الجهة سواءً كان لصالح أو ضد الجيش، حسب معطيات الموضوع وليس موقفًا من الجهة.
اليمين واليسار بعد الحرب؟
واحدة من محاسن الحرب أنّها خلطت الأوراق السياسية لدرجةٍ كبيرة، ولم يعد هنالك يمينٌ ولا يسار، وهنالك بعض المحسوبين على اليسار مثلًا يدعمون مواقف المحسوبين على اليمين والعكس صحيح.
القوى السياسية التقليدية، كيف سيكون فرصها بعد هذه التجربة؟
أتوقع بأن يكون هنالك متغيرٌ كبير بعد الحرب عند المواطن السوداني الذي يبحث عن معادلة تربط بين الأمن، وتحقيق مطالبه الحياتية الأخرى، بمعنى انّ التجربة المريرة التي تعرض لها المواطن ستجعله ينظر للأمن باعتبار أنّه البند الأول والثاني وحتى العاشر، ثم بعد ذلك أي بنودٍ أخرى.
تتوقع بأن يطول حكم الجيش لفترةٍ من الزمن بعد الحرب؟
هذا ما لا نتمناه، ونتمنى خروج الجيش من الحكم والسلطة بعد الحرب مباشرةً، ولكن وفق معادلة تجعله حارسًا للدستور والنظام السياسي بصورة مباشرة.