هل سيصبح السودان ساحة صراع دولي؟
القوى التي أرسلت رسالتها على لسان حميدتي في خطابه الأخير، اعترفت بوضوح بثلاثة أشياء مهمة، هي: الهزيمة، فشل مساعيها السابقة خلال 18 شهراً من الحرب، انتقالها إلى خطة جديدة، رمزت لها بالخطة ب.
وذكرت هذه الجهات أهم ملامح الخطة ب هي: تهديد مباشر إلى دولة مصر. تهديد مباشر إلى كيانات قبلية بالولايات الشمالية وإلى كيانات فكرية هم الاسلاميين. واستنفرت وقود الحرب بالطاقات القبلية، (قبائل ضد قبائل). كما شنت هجوما عنيفا على المشروع السياسي المطروح من قبل (قحت/تقدم)، وما كان يعرف بالرباعية الدولية، وحملت الجهات الراعية للإتفاق الاطاري، مسؤولية اندلاع الحرب و تدمير السودان.
فهل تهديد مصر بواسطة المليشيا يعتبر مؤشراً نحو وقوع السودان في براثن الصراع الدولي؟
أما أهم ملامح خطة الحكومة السودانية التي ماتزال تعمل بها هي: الاعتماد فقط على الطاقات الوطنية جيشاً وشعباً في معركة الكرامة تخطيطاً وتنفيذاً، دون الاستعانة بأي دول أخرى. وحصر الاستفادة من التعاون المشترك بين السودان والدول الصديقة، في حدود العلاقات الثنائية بين الدول والمصالح المتبادلة والبرتكولات الموقعة بينها، بما يحفظ السيادة و الاستقلالية دون تدخل أو مشاركة مباشرة لأي جهات خارجية. ومنع تجيير معركة الكرامة أو الاستفادة من الإجماع الوطني حولها، لصالح أي رايات قبلية أو حزبية و إنما مشاركة جميع السودانيين تحت الرأية الوطنية.
أما ما ورد من تهديد لمصر، ورغم أنه ليس من المنطق أن تشكل مليشيا مهزومة في جبل موية في أقصى الجنوب، و في حدود تشاد في أقصى الغرب، تهديدا لمصر في أقصى الحدود الشمالية للسودان. ولكن مصر نفسها لا تقبل تهديدا لها ولو مجرد كلام عابر، حتى وإن كان غير قابل للتنفيذ. هذا التهديد عمليا جعل مصر و السودان في جبهة واحدة ضد عدو واحد. رغم أنه لا توجد جبهة قتالية لكي تشترك مصر مباشرة بجنودها و عتادها في المعركة داخل حدودها. إنما الراجح أن ينتج عنه عملياً أن تضاعف مصر من وقفتها مع السودان سياسياً و ستعلن عداءها المباشر للمليشيا و أن تستخدم كل ثقلها الدولي لمصلحة انتصار السودان والحفاظ على مؤسساته كما ظل كبار المسؤولين فيها يؤكدون في كل مناسبة.
التدخل الدولي في السودان و باعتراف قائد مليشيا الدعم السريع ظل موجوداً بقيادة أمريكا وبقية أعضاء الرباعية بما فيهم بعثة الأمم المتحدة و بمساعدة قحت/تقدم. و هو الذي حاول فرض الاتفاق الاطاري على الواقع السوداني، و هو الذي فجر الحرب و هو الذي دمر السودان. و أن الحكومة السودانية واجهت هذا التدخل الدولي وحدها بطاقات و طنية. أما استعانة الحكومة ببعض الدول، فلم تكن أبدا تدخلا دوليا. لقد كانت تلك الاستعانة وفق العلاقات الثنائية و برتكولات تعاون مسبقة بين دولتين دون أن تتدخل إحداهما في شؤون الاخرى.
و نكرر السؤال مرة أخرى، هل التهديدات الأخيرة و التي شملت تهديداً مشتركاً للسودان و لمصر، هل ستجبر البلدين على التنسيق المشترك والعمل المشترك في جبهة قتالية واحدة مشتركة لمواجهة هذه التهديدات المشتركة؟ أم سينحصر العمل المشترك في حدود التنسيق و الدعم بينما على الأرض تدافع كل دولة على جبهتها منفصلة عن جبهة الدولة الاخرى؟
وهل دخول مصر – في حال حدوثه – سيعني تحويل أرض السودان إلى ساحة صراع دولي؟
الحقيقة أن لمصر ثقلها الدولي في المحور الغربي وهو ليس أقل من ثقل غيرها ممن يدعمون التمرد ، و مصالح الغرب مع مصر ليست أقل من مصالحه مع الآخرين. و من المرجح، وبسبب هذا التوازن، لن تدخل مصر في حرب استنزاف مع أي طرف يناصر التمرد تكون ساحتها الأراضي السودانية أو المنشآت المصرية مثل السد العالي.
وخطة الحكومة السودانية نفسها، تقوم على منع التدخل الدولي مهما كان شكله و تحقيق الانتصار على المليشيا على الأرض بالارادة الوطنية،
و منازلة داعميها في الجوار وفي الإقليم في الساحات الدولية دون أن يتقاطع ذلك مع مصالح الدول الأخرى.
إن الفرق كبير بين أن تستعين دولة و حكومة معترف بها دولياً و شعبها ملتف خلفها، بعلاقات دولية و فق برتكولات ثنائية، و بين أن تستخدم دولة معتدية، مليشيا متمردة و إرهابية ومدانة دولياً على ارتكابها كل الجرائم، تستعين بها لتنفيذ مشروع خارجي يفجر الحرب و يدمر البلد، وفق اعترافات قائد المليشيا نفسه.
إن ساحات العمل المشترك كبيرة بين السودان ومصر لتحقيق النصر في معركة الكرامة. ومنها ساحة العمل الدبلوماسية في المنظمات الدولية والإقليمية و غيرها. هذه الساحات قطع فيها السودان شوطا كبيراً، فالشكوى التي قدمها في مجلس الأمن الدولي أحدثت أثرها السياسي لصالح السودان وجعلت، عدداً من المؤسسات العالمية تتبنى حجج السودان وتضيف إليها حججاً أخرى.
وارتفعت أصوات نواب في الكونغرس الأمريكي وفي البرلمان الكندي لتكشف انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي تقوم بها مليشيا الدعم السريع، مما جعلهم يطالبون بمساءلة الأطراف التي ما تزال تدعم مليشيا التمرد، أضف إلى ذلك تقارير عديدة مثل تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بمراقبة حظر السلاح على إقليم دارفور.
لن يتحول السودان إلى ساحة صراع دولي، لأن السودان يحصر علاقاته مع الدول الداعمة له في حدود البرتكولات الموقعة والمعلنة وفق العلاقات الثنائية الطبيعية بين الدول. و أن السودان يحاصر المليشيا على أرض المعركة و يحاصر داعميها في مجلس الأمن و علي الساحات البرلمانية الدولية المختلفة. و ستقدم مصر و غيرها من الدول الداعمة، المساعدات وفق هذا الإطار المرسوم. و إن انتصار السودان في ساحتي المعركة الحربية على الأرض و الديبلوماسية والسياسية في المحافل الدولية والإقليمية يمكن أن يتيح الفرصة لدول مثل مصر وغيرها، كي تواصل تحركها على المستويين الإقليمي والدولي وتتبنى مبادرات لإيجاد تسوية نهائية للأزمة في السودان.
د. محمد عثمان عوض الله