في إحدى المناطق القديمة بالعاصمة السعودية الرياض يقع حي “منفوحة”، وبالتحديد في جنوب الرياض، وكان يسكن بهذا الحي قديماً كبار العوائل السعودية.
عندما تدخل إلى منفوحة الآن تستقبلك رائحة القهوة المصرية وشباب يجلسون على المقاهي، ومجموعات سكانية يرتدون معظم ملابس وأزياء المحافظات المصرية وخاصة الصعيدية، بجانب الأزياء المدنية الحديثة، وتستمع وأنت في شوارعها للقفشات والأفيهات والنكات والضحكات والسلام بكل اللهجات المحليّة، لوهلة قد تتخيل نفسك بأحد أزقة وحواري القاهرة القديمة، ولكنك في منفوحة.
وفي محافظة الجيزة بجمهورية مصر، يقع شارع الملك فيصل، حيث سُمي بهذا الاسم نسبة لفيصل بن عبد العزيز ملك السعودية الأسبق، وبجانبي شارع فيصل تقع العديد من المحطات والتجمعات السكانية، حيث يقيم بها عدد كبير من السودانيين، حضروا في فترات زمنية متباعدة لما قبل وما بعد الحرب التي يخوضها الجيش السوداني لإنهاء تمرد الدعم السريع المستمر منذ 15 أبريل من العام 2023.
عندما تدخل على تجمعات السودانيين في فيصل تستقبلك الأزياء السودانية المحلية من ثياب النساء وجلابيب وعمم الرجال، والمقاهي التي تقدم القهوة والمشروبات السودانية المميزة، وتسمع وأنت تتجول في فيصل ” يا زول”، وهي تتردد بكثرة، حيث أصبح يستخدمها حتى المصريين لمناداة بعضهم، بجانب نداء السودانيين.
في منفوحة السعودية المصرية تجد معظم المنتجات التي تأتي من مصر بطلب خاص، وهي تباع جهراً وسرّاً، البقالات والمحلات التجارية والباعة المصريين يقابلونك من كل ناحية، فسكان منفوحة وهم يعملون ويسكنون في المملكة لكن لا يفارقون طعم الرغيف البلدي، ولا الكشري أو الفول والطعمية والحواوشي والكبدة الإسكندراني، وغيرها من المأكولات المحليّة.
وفي فيصل المصرية السودانية، يمكنك شراء “الويكة” والكركدي والدكوة والكسرة والعيش وتناول العصيدة والبوش والكوارع، فالمحلات التجارية والباعة السودانيين والمطاعم التي تقدم الوجبات المحلية منتشرة في معظم الأماكن.
عندما تكون هنالك مباراة في كرة القدم أحد طرفيها المنتخب المصري أو الأهلي والزمالك، أو حتى مشاركة اللاعبين المصريين المشهورين مع أنديتهم الأوربية مثل محمد صلاح وعمر مرموش، تمتلئ مقاهي منفوحة بالجمهور، يتابعون المباريات على شاشات كبيرة، وتسمع عبارات التشجيع المحلّي وكأنك في استاد القاهرة.
وعندما يسمع السودانيون في فيصل المصرية السودانية الأخبار المبشرة بانتصارات القوات المسلحة، فإنك تسمع الهتافات والتهاني المتبادلة بين السكان، وقد يخرجون إلى شوارع الأحياء محتفلين ويشاركهم إخوانهم المصريين كما أظهرت المشاهد، فحلم العودة للسودان مازال يراودهم، ويأملون بعودة الأمان لبلادهم في أقرب وقت حتى يودعون حياة الغربة ومشقة الترحال.
وبينما ارتحل سكان منفوحة من السعوديين إلى مناطق أخرى أكثر حضارة وتمدناً في الرياض بتعاقب زمني متسلسل، وبقيت منفوحة مصرية شبه خالصة، احتفظ المصريون في فيصل بمقاسمة السكن والتعايش مع السودانيين، ومن الشائع أن تجد البنايات نصف سكانها أو ملاكها من كلا البلدين، وكذلك العاملون في الأسواق والمحلات التجارية.
وما بين منفوحة السعودية المصرية وما بين فيصل المصرية السودانية، تمتد روابط التعايش بين الشعوب العربية، بعيداً عن مجالس الإعلام الموجّه، فحلم أبناء الوطن العربي بأن كل أرض على خريطته هي بيتهم ومأكلهم ومشربهم وتواصلهم، لا تفرّق بينهم الحدود المصطنعة.
عمرو كمال – النيلين