السودان والاتحاد الافريقي والقوات الدولية.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

أخيرا قرر مجلس الأمن والسلم الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي زيارة السودان لمناقشة المسئولين السودانيين حول قضايا الحرب التي شنتها مليشيا الدعم السريع المتمردة على الدولة والمجتمع في السودان وخلّفت فظائع ومآسٍ وجرائم حرب ارتكبتها المليشيا المتمردة.. ومع أن المسافة بالطائرة من أديس أبابا حيث مقر الاتحاد الافريقي ومدينة بورتسودان حيث مقر العاصمة الإدارية للسودان لا تتجاوز الساعة ونصف بالطائرة؛ إلا أن زيارة مجلس الأمن والسلم الإفريقي جاءت بعد حوالي عام ونصف من بداية تمرد المليشيا في السودان.

*بعد تسع سنوات:*
وبحسب بيان صادر من إعلام المجلس الانتقالي في السودان فإن وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي قد التقى الفريق أول عبد الفتاح البرهان يوم الخميس الثاني من اكتوبر 2024م وقد ترأس الوفد محمد جاد سفير مصر الذي ترأس بلاده المجلس منذ أبريل الماضي.. وبحسب البيان فقد قال السفير الدين ابراهيم حسين سفير السودان لدى إثيوبيا والمندوب الدائم للاتحاد الإفريقي أن زيارة مجلس السلم والأمن الإفريقي تكتسب أهميتها كونها الزيارة الأولى منذ عام 2015م.

وقد التقى وفد مجلس الأمن والسلم الإفريقي أيضا بكل من اركو مناوي حاكم إقليم دارفور والنائب العام لجمهورية السودان.

ماذا يريد الاتحاد الافريقي من السودان بعد أن جمد عضوية السودان في الاتحاد منذ العام 2021م؟ وما علاقة زيارة مجلس الأمن والسلم الإفريقي بالانتصارات الباهرة التي حققها الجيش السوداني على المليشيا المتمردة أواخر سبتمبر الماضي 2024م وأصبح قاب قوسين أو أدنى من سحقها وهزيمتها عسكريا؟ وما هي تجارب الاتحاد الافريقي مع السودان؟
*ورطة المليشيا المتمردة:*

قبل أن نجيب على هذه الأسئلة من الملاحظ في مسيرة الحرب الأخيرة في السودان أن الجيش السوداني الذي يقوم بواجبه الدستوري في حماية مواطنيه من جرائم المليشيا المتمردة؛ كلما أحرز تقدما وانتصارا؛ تسابقت قوى إقليمية ودولية تطلب التفاوض والهدنة ريثما تلتقط المليشيا المتمردة أنفاسها وتعيد ترتيب صفوفها لشنّ حملات جديدة؛ حدث هذا في مفاوضات جدة مايو 2023م وتم توقيع اتفاق لم تلتزم به المليشيا المتمردة بل تمادت في التوسع في مدن وولايات جديدة بالمخالفة للاتفاق؛ ونفس هذه القوى حاولت جرّ الجيش السوداني الى مفاوضات في جنيف في أغسطس الماضي 2024م في ظروف مشابهة؛ إلا أن الجيش السوداني انتبه هذه المرة للفخ الذي نُصب له بعناية وقرر عدم الذهاب للمفاوضات ما لم تنفذ المليشيا المتمردة ما اتفق عليه في جدة وهو الموقف الذي لاقى ترحيبا واسعا من الشعب السوداني وزاد من شعبية الجيش السوداني المتنامية أصلا.. ويُخشى أن تكون زيارة مجلس الأمن والسلم الإفريقي هذه الأيام تصب في نفس الاتجاه في ظروف مشابهة لسابقاتها وعنوانها تفوق الجيش واندحار المليشيا.

*حكاية الاتحاد الافريقي مع السودان
نعود للاتحاد الإفريقي وحكايته مع السودان.. ونقف عند بعض المحطات؛ ونختار منها ما بعد اندلاع أزمة دارفور في العام 2003م لنرى ما صنع الاتحاد الافريقي مع السودان خلال السنوات الماضية؛ ولطول المسافة الزمنية ومحدودية حيّز المقال نختار محطات دالة تشير إلى الموضوع وتوضحه دون أن تستقصيه وتوسّعه بحثا.

الدكتور عبد الوهاب الأفندي وهو باحث ودبلوماسي سوداني سابق أنجز دراسة قيمة حول أزمة دارفور صدرت في كتاب بعنوان ( أزمة دارفور نظرة في الجذور والحلول الممكنة) نقتبس منها مما يتعلق بدور الاتحاد الافريقي في السودان بعض الفقرات.. ( تم إبرام انجمينا في أبريل 2004م الذي أكد وقف إطلاق النار).. ( وقد شهد اتفاق انجمينا بداية الجهود للاتحاد الافريقي لحل الأزمة فتقرر عقب الاتفاق إرسال 60 مراقبا لوقف إطلاق النار من الاتحاد الافريقي مع 300 جندي لحراستهم )… ووصل الفوج الأول من هؤلاء في يونيو 2004م وكان نواة ما أصبح يعرف لاحقا ببعثة الاتحاد الافريقي في دارفور..ولكن هذا العدد ما لبث أن ارتفع الي 3320 من المراقبين والقوات في أكتوبر من نفس العام.. ثم تقرر في أبريل 2005م رفع القوات إلى 6171 مع 5160 مدنيا.. حتى تم صدور قرار مجلس الأمن رقم 1607 باستبدالها بالقوات الأممية.
نلاحظ من هذا العرض أن الاتحاد الافريقي لم يفعل شيئا في أزمة دارفور سوى أنه مهد لقدوم القوات الأممية التي أصبحت تعرف لاحقا باسم اليوناميد..والتي استمرت إلى ما بعد سقوط نظام الإنقاذ عام 2019م حيث تم استبدالها ببعثة أممية جديدة بقيادة الألماني فولكر استقدمها رئيس الوزراء آنذاك حمدوك من وراء ظهر مجلس السيادة وتلك قصة أخرى.
هل انتهت قصة الاتحاد الافريقي مع السودان هنا… لا.. فبعد سقوط نظام الإنقاذ في السودان في أبريل 2019م ونشوء فترة انتقالية في السودان؛ قام الاتحاد الإفريقي بإرسال مبعوثه الى السودان ووقع الاختيار على اليساري الموريتاني الدبلوماسي السابق ود اللباد الذي قاد عملية سياسية انتهت بتنصيب اليساري السوداني د. حمدوك رئيسا للوزراء وتسليم الحكم في السودان لثلة من اليساريين والعلمانيين دون تفويض سياسي.. واستمر د. حمدوك في منصبه عامين وشهرين كانت من أسوأ فترات الحكم في السودان فشلا وإخفاقا على كافة الأصعدة.. إلى أن قرر الجيش السوداني تصحيح الأوضاع الشاذة َوضع حد لتردي الأوضاع وقام بعزل حمدوك من منصبه في أكتوبر 2021م.. وحمدوك هذا كما أسلفنا هو الذي استقدم بعثة الأمم المتحدة الي السودان من وراء مجلس السيادة ومعارضة القوى الوطنية السودانية.. وهكذا عدنا الي الدوامة.. دور للاتحاد الافريقي يعقبه استقدام لبعثة أممية بالمخالفة لرغبات القوى الوطنية السودانية.

*لا عودة للوراء:*
على ضوء هذه القراءة وعلى خلفية زيارة وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي للسودان وحديث عن اعتزام قوى دولية وإقليمية التدخل العسكري في السودان… هل يعيد التاريخ نفسه؟
في الحقيقة ان الأوضاع في السودان تغيرت كثيرا وفي ظل هذه المتغيرات يصبح من الصعب إعادة عجلة التاريخ للوراء وتكرار نفس التجارب.. الشعب السوداني توحّد ضد المليشيا المتمردة كما لم يتوحد من قبل ووقف بصلابة خلف جيشه الوطني إلا من بقايا قليلة تهيم معظمها خارج السودان وترتبط بالأجنبي وهذه فقدت تقريبا مستقبلها السياسي.. وعلى الصعيد الخارجي تهب الرياح في صالح السودان بعد أن قامت الدولة السودانية بتحركات دبلوماسية صبّت في اعتدال الميزان الذي أخل به حمدوك أثناء فترته؛ وهنا لا بد أن نشيد بالسفير الحارث إدريس مندوب السودان في الأمم المتحدة الذي صال وجال في أروقة المنظمة الدولية وتحدث بمنطق قوى وحجج دامغة وأدلة ساطعة وعرّف ممثلي العالم بالمنظمة الدولية حجم الأزمة وأبعاد المؤامرة … لكل ذلك وغيره يصبح من المستبعد إعادة عجلة التاريخ للوراء والحديث عن استقدام قوات دولية الي السودان.. إن شاء الله.

حسن عبد الحميد

Exit mobile version