أول ملاحظة في خطاب حميدتي هي خروجه لمخاطبة الناس بشكل مباشر على غير العادة حيث كان يخرج بخطاب معد ومكتوب يعبر عن رؤية محددة هي رؤية التحالف السياسي للمليشيا وقحت.
لقد جاء الخطاب هذه المرة بشكل تلقائي وحميدتي (نسبة إلى حميدتي نفسه) للغاية. خطاب يعبر عن غياب المشروع وغياب الرؤية. لقد حصر حربه في الدفاع عن النفس وعاد مرة أخرى إلى المظلومية والتبرير والندم، كعادته دائما.
إذا قرأنا هذا مع حديث الناطق باسم حلفاء المليشيا بكري الجاك وحديث ياسر عرمان والاثنين أظهرا تراجعا واضحا في الموقف من الجيش، وكذلك الكلام الذي خرج من إعلام المليشيا، هجوم عبدالمنعم الربيع العنيف على قحت، وكذلك “جوج ماجوج” أحد القادة الميدانيين، كل ذلك يدل على أن التحالف بين المليشيا وقحت قد تصدع وربما انهار. فقد فشل كل طرف في توفير ما يريده الطرف الآخر؛ فشلت المليشيا عسكريا وفشلت قحت في توفير الغطاء السياسي داخليا وخارجيا.
في نفس السياق فقد هاجم حميدتي الاتفاق الإطاري وقال إنه سبب الحرب. في حين أنه في بداية الحرب وفي اليوم الأول قال إن حربه هي من أجل تنفيذ الاتفاق الإطاري. وهذا الكلام هو تماما عكس ما كان يقوله قبل الحرب. والتسجيلات موجودة.
لقد خرج حميدتي ليقول لمقاتليه أنهم يقاتلون بلا مشروع وبلا رؤية ولا أهداف. فلا أدري كيف يريدهم أن يستمروا في القتال!
لذلك فهذا الخطاب هو خطاب إعلان الإفلاس. لقد أعلن فشل الاتفاق الإطاري وأنه تسبب في الحرب. وألقى باللوم على الدول التي كانت تقف وراء الاتفاق الإطاري وحملهم المسئولية فيما وصلت إليه البلد. ويبدو أن حميدتي يبحث كعادته عمن يعلق عليه فشله مثل كل مرة.
السؤال الطبيعي هو إذا كان حميدتي يرى أن الإطاري سيتسبب في الحرب، فلماذا كان يدافع عنه بتلك القوة ولماذا ظل يحشد قواته لشهور في الخرطوم استعدادا لهذه الحرب؟ أما كان الأفضل عدم المضي في هذا الاتفاق؟
لم يقل لنا حميدتي من الذي أقنعه بالاستمرار في دعم هذا الاتفاق وحشد القوات لشهور في الخرطوم وإعداد مسرح الحرب.
بربك ما الذي كنت تتوقعه وأن تدعم اتفاقا تعرف أنه سيشعل الحرب وسيدمر البلد وبالتزامن مع ذلك كنت تعمل على تجهيز قواتك للحرب. فأنت شاركت في الإتفاق وأنت أعددت للحرب. فهذه الحرب ليست بين الجيش وقحت، ولكنها بين الجيش والدعم السريع. أنت طرف في الحرب وطرف أساسي، فكيف تتكلم عنها وكأنها شيء خارج عن إرادتك تسبب فيه الاتفاق الإطاري. أنت قررت أن تحارب بدليل استعدادك لها مع دعمك لسببها الرئيسي، وأنت كنت تعلم أن الوسيلة الوحيدة لتنفيذ الاتفاق الإطاري هي الحرب وعملت لها.
منتهى الغباء مع الجبن والهروب من المسئولية. الإطاري هو سبب الحرب ولكن أداة الحرب هي الدعم السريع، وبدون الدعم السريع لا يمكن للإطاري أن يتسبب في الحرب؛ لأن قحت لا تملك السلاح.
أنت دمرت قواتك ودمرت أهلك ونفسك ودمرت البلد والشعب السوداني. ولكنك أجبن من أن تواجه هذه الحقيقة، لذلك تبحث عن شماعات لفشلك.
الحقيقة هي أن حميدتي أراد أن يحكم. وحارب لأجل ذلك؛ وحارب بكل قوة وبكل جدية؛ إستعد لهذه الحرب لفترة طويلة وتلقى دعما هائلا بالمال والسلاح والمرتزقة وعقد تحالفات سياسية وتلقى وعود خارجية بالدعم والمساندة. حارب بكل ما يملك ولكنه فشل وخسر الحرب. هذه هي الحقيقة.
والآن جاء يتكلم بهذا الارتباك والضعف تحت وطأة الهزيمة الأخيرة في جبل مويا. رغم أنها ليست الهزيمة الوحيدة التي تلقتها المليشيا في الأيام الأخيرة. ولكن لأن خطابه انفعالي ولحظي فقد تجاهل بقية محاور القتال. لم يتطرق أبدا إلى الخرطوم ومعركة عبور الجسور إلى الخرطوم وبحري وتمدد الجيش في العاصمة. ترى ما هي الرسالة التي تتلقاها بقايا المليشيا في العاصمة ودارفور والجزيرة وهي ترى القائد حميدتي يتجاهل حتى وجودها. ربما ظنوا أن القائد قد نسيهم ونسي وجودهم وأنه لا يملك ما يقدمه لهم.
لقد تكلم كشخص مهزوم يستجدي جنوده كي يقاتلوا من أجل هدف غير موجود. إذا كنت قائد عسكري في المليشيا وأملك القليل من العقل لماذا أستمر في هذه الحرب؟ فهي حرب خاسرة بالمقاييس العسكرية باعتراف القائد نفسه وبلا هدف سياسي وتضعني في مواجهة شعب كامل وجيش يملك سلاح طيران فتاك؟ لماذا أقاتل؟
أخيرا، ما دامت هذه حرب بلا مشروع ولا أهداف كما هو واضح من خطاب قائد المليشيا، وقد خسرتها المليشيا باعتراف قائدها، أتمنى أن يجدد القائد العام للجيش مرة أخرى النداء لمن تبقى من المليشيا لكي يستسلموا ويسلموا أنفسهم، مع عفو عام عن كل من لم يرتكب جريمة بحق المواطن. كفرصة أخيرة.
حليم عباس