رأي ومقالات

الدعم السريع .. القصة الكاملة

*الدعم السريع*
*القصة الكاملة*
*حقائق واحداث*
(1) من (2)
رغم أننى من أنصار ما طرحه الصديق ورفيق الدرب اللواء مازن محمد إسماعيل حول عدم ملائمة الظروف لطرح بعض المواضيع وهذا ما جعلنى أحجب كثير من المعلومات المتعلقة بأحداث أبريل 2019 التى لم يحن الوقت بعد لنثرها ، إلا أن القروبات أصبحت تضج بقضية الدعم السريع وتعقيداتها وتداعياتها ، وقد شجعنى ما كتبه الدكتور الفخيم مزمل ابو القاسم الذى إعتبره مع بقية إخوانه وأخواته من صحفي وصحفيات معركة الكرامة هم الفيلق المتقدم الذى حشد الأمة وثبت الجيش وقادنا إلى النصر البازخ والفتح المبين ..
قبل الدخول فى تفاصيل هذه القصة التراجيدية هناك بعض الحقائق العسكرية والأمنية الهامة التى ينبغى معرفتها حتى تستبين الحقائق وتتضح الصورة الشاملة بكل كلياتها وأبعادها ومراميها ،، وهى أن كل جيوش الدنيا النظامية حينما تواجه بحرب عصابات من مجموعات متمردة عادة ما تلجأ هذه الجيوش إلى تكوين مجموعات مساندة شبه عسكرية للقتال إلى جانبها واستخدامها فى هجمات سريعة وخفيفة ضد متمردى حرب العصابات الذين تقوم تكتيكاتهم العسكرية على مبدأ أضرب واهرب ، وهى تكتيكات مؤذية ومنهكة للقوات النظامية التى تقاتل وفق الخطط والتكتيكات النظامية .. وحتى كبار الجيوش فى العالم ظلت وما زالت تستخدم هذه التكتيكات فى كل حروبها حينما تواجه بمثل تلك العصابات .. إستخدمها الجيش الأمريكى فى العراق عبر دعمه لمقاتلى قوات ( البشمرقة ، الحشد الشعبى ) ، وقد إستخدمتها أمريكا أيضا فى الصومال بعد هزيمتها الأولى وخروجها على يد قوات محمد فارح عيديد ، إستخدمتها لإفشال تجربة المحاكم الإسلامية التى سيطرت على الحكم فى الصومال بعد الفوضى التى حدثت عقب سقوط حكم محمد سياد برى ، حيث إضطرت أمريكا على تسليح ودعم أمراء الحرب فى الصومال بقيادة محمد فارح عيديد لإفشال وإسقاط تجربة المحاكم الإسلامية والذين نجحوا فى تحقيق ذلك الهدف الأمريكى وتمكنوا فعلا من إسقاط وإفشال تجربة المحاكم الإسلامية ،، والغريب أن محمد فارح عيديد هو نفسه الذى كان قد قاد حربا شرسة ضد التدخل الأجنبى وهزم أمريكا شر هزيمة وسحل جنودها ومرمط سمعتها فى التراب ،، دعمته أمريكا حتى يفهم الناس كيف تفكر الدول الكبرى فى حماية مصالحها (التفكير الإستراتيجى) عبر موازنة المخاطر مستفدين من الفقه الإسلامى الذى يقول (أخف الضررين مصلحة) لأن أمريكا إعتبرت سيطرة المحاكم الإسلامية على الصومال الدولة ذات الموقع الخطير إعتبرته خطرا كبيرا داهما ويعنى مباشرة إمتداد حزام الإسلاميين إلى القرن الإفريقي وخطورة ذلك على حلفاءها ووكلاءها فى المنطقة فنسيت كل ما فعله محمد فارح عيديد بها وبجنودها فعادت وتحالفت معه ودعمته وسلحته لهزيمة الإسلاميين الذين تعتبرهم الخطر الأكبر واقول هذا حتى يفهم الناس والعسكريين الآن أنه ليس هناك خطرا يوازى خطر الدعم السريع حتى يتركوا اللجلجة ويخرجوا من فزاعة الكيزان التى تعطل الإستنفار ، فى أفغانستان وبالتنسيق بين المخابرات الباكستانية والأمريكية والعربية تم تجهيز كل التسهيلات الدعم اللوجستى لتسهيل مرور حركة مجاهدي القاعدة بقيادة بن لادن والظواهرى الى أفغانستان ووجدوا دعما واسعا ومفتوحا بغرض إنهاك وهزيمة الإتحاد السوفيتي ولم يسمع يومها أن اؤلئك المقاتلين إرهابيين أو أن ذلك التمويل والتسهيلات تصب فى دعم الإرهاب ، وبعد إنتصار المقاومة الإسلامية فى أفغانستان وخروج الإتحاد السوفيتي مهزوما وتولى المجاهدين زمام السلطة عادت أمريكا وباكستان وذات مخابرات الدول العربية المتحالفة معهم عادوا مباشرة وعبر ذات التحالف وبذات الفقه (أخف الضررين مصلحة) وقاموا عاجلا بتأسيس وتسليح حركة طالبان للقضاء على حكومة الإسلاميين بقيادة برهان الدين رباني .. ولذلك فإن انشاء المليشيات الصديقة هى تجربة رائجة وراسخة وسط كل جيوش العالم ، وقد مارسها الجيش السودانى فى حرب متمردى جنوب السودان عبر القوات الصديقة النوير (فاولينو ماتيب) ، المندارى (كلمنت وانى) .. عبر نفس هذا التكتيك وبعد إنطلاق تمرد دارفور وقيادته لحرب عصابات مدمرة بدأت بهجمات مباغتة لمطار الفاشر وحرق عدد من الطائرات الجاسمة فى أرض المطار وبعد أن تمددت الحرب وتوسعت فى مساحات واسعة فى دارفور وفق خطة غربية أمريكية قصدوا بها إنهاك الجيش السودانى الذى كان يخوض حربا شرسة فى جنوب السودان ، كما قصدوا بها أيضا تعويق إنطلاق السودان الذى بدأت إرهاصات إنطلاقته الإقتصادية والعسكرية رائجة وراسخة مع قيام حكومة الإنقاذ القوية ،، تم إنشاء قوات حرس الحدود التى بدأت بالشيخ موسى هلال وهو يمثل قيادة الرزيقات المحاميد وقد كان حمدتى وبعض أبناء الماهرية جزءا من تلك القوات حتى العام 2006 ، ثم أنشأت لاحقا قوة صغيرة منفصلة عن الشيخ موسى هلال بقيادة حمدتى وكان معظم أفرادها من الماهرية ومنح رتبة (الصول) وكان حفيا بها لم يكن يفهم الفرق بين الصول والملازم وظل يعمل فى تناغم مع الجيش ، بعد حوالى عام تم تحريضه وإستفزازه من بعض أهله المتعلمين متهكمين من رتبته العسكرية فتمرد حمدتى محتجا على الرتبة والمرتبات ،، عبر جودية ووساطات تمت ترضيته وإسترجاعه ومنح رتبة النقيب وبعدها فى أواخر العام 2009 تمت ترقيته إلى رتبة الرائد وفى تلك الفترة كانت قواته فى حدود (4000) ، ظل فى رتبة الرائد حتى 2012 وظل يتمركز مع عدد من قواته فى نيالا (فى تلك الفترة كنت أنا مدير إدارة أمن جنوب دارفور) .. ظلت هذه القوات تمارس فوضى كبيرة فى المدينة حيث كانت معظم جرائم النهب والسطو والقتل وتجارة المخدرات تمارس بواسطة هذه القوات الأمر الذى أحرج اللواء عبد الفتاح حامد الشيخ قائد الفرقة فى نيالا فى إجتماعات لجنة الأمن وهو عسكرى قح وقائد شرس .. أصدر اللواء عبد الفتاح حامد الشيخ قرارا بمنع حمدتى وقواته من دخول الفرقة وفرض عليهم عملية عزل وتضييق شديد وأوقف التعامل معهم (أعتقد أنه فعل ذلك وفق قرار ذاتى دون مشاورة أحد .. لأنه لاحقا تمت إحالته للمعاش ) بعد قرار قائد الفرقة وقبل إحالته للمعاش وضعنا خطة أمنية عسكرية عبر لجنة الأمن وللأمانة دعمها الوالى حينها عبد الحميد موسى كاشا وهو من أبناء الرزيقات رجل ناصح ومن أفضل الولاة الذين حكموا دارفور ، وضعنا خطة أمنية قمنا عبرها بعمل( كردون) لأحياء الرزيقات فى نيالا وأجرينا عمليات تفتيش واسعة حيث تم ضرب كل أوكار المخالفات (سلاح مخدرات خمور) وتمت محاكمات فورية وقد كان القصد من ذلك إظهار القوة وفرض هيبة الدولة وإرسال رسالة إلى حمدتى وقواته .. بعد أن تسامعت قيادات الفرق العسكرية بولايات دارفور الأخرى ماحدث ضد قوات حمدتى فى نيالا مارست قيادات الفرق الأخرى ضدها نفس التضييق ثم تحول الأمر إلى رأى عام عسكرى واسع معادى لحمدتى وقواته ،، وأصبح الرأى العام العسكرى يتجه نحو حل هذه القوات وتسريحها .. خرجت تقارير من داخل الجيش حذرت بشدة من أن حل هذه القوات سيدفعها إلى التمرد وربما ممارست تفلتات واسعة فى دارفور أو ربما وقعت هذه القوات فريسة لجهات أجنبية أو إستقطابها من قبل حركات دارفور وقد كانت تلك التقارير صائبة ومحقة فى توقعاتها .. ثم طرح خيار تذويبها داخل القوات المسلحة هذا الخيار رفضه الفريق اول ركن مصطفى عثمان عبيد رئيس الأركان بحجة أن معظم هذه القوات لاتنطبق عليها معايير الإنتساب للقوات المسلحة ،، رغم أن هذا القرار فى ظاهره يظهر مدى حزم وحٍرَفية رئيس الأركان إلا أنه كان قرارا خاطئا بإمتياز حيث كانت عملية تذويب هذه القوات داخل الجيش هى أحسن الخيارات المتاحة وهى أقل البدائل ضررا مقارنة بالخيارات الأخرى خاصة إذا نظر إلى هذا القرار فى إطار التفكيك التدريجى لتلك القوات ومن ثم تسريحها مستقبلا وفق خطة متدرجة ، حيث كان ينبغى أن يتم تذويبها أولا ثم تشتيتها ثم تشليعها رويدا رويدا إذا تغلبت الرغبة فى تسريحها والتخلص منها ،، وهذا ما فعلته الحركة الشعبية فى الجنوب مع قوات (فاولينو ماتيب) بعد الإنفصال ، أو تذويبها عبر خيار آخر فى إطار عملية إستيعاب وتحسين عبر عملية إعادة تأهيل ودمج متوسطة المدى (تأهيل أكاديمى وتوجيهى ودينى) خاصة أن أعداد تلك القوات كانت محدودة فى ذلك الوقت ولم تكن كلها سيئة ومعظمهم صغار قابلين للإصلاح ، وهذا ما فعله اسياس أفورقى مع مجموعات الشفتة وهم مجموعات من (المشردين واللقطاء) إستعان بهم فى قتاله لنيل الإستقلال .. بعد أن رفض رئيس هيئة الأركان الفريق أول ركن مصطفي عثمان عبيد خيار التذويب داخل القوات المسلحة وبعد التقارير التى حذرت من خطورة التسريح ، أوعزت تقارير أخرى من داخل القوات المسلحة لوزير الدفاع بعد إقناعه بأن الخيار الأمثل والوحيد والمتاح هو ضم هذه القوات إلى جهاز المخابرات وطبعا لم يقصر وزير الدفاع فى إقناع الرئيس بالفكرة خاصة وأن الإحتقان والرفض بلغ مداه داخل القوات المسلحة تجاه قوات حمدتى ، وكانوا يعتبرون الإدخال إلى الجهاز هو أامن وأسرع خيار ممكن أن تلجأ له القوات المسلحة فى فك إرتباط تلك قوات مع الجيش ولو ظاهريا .. فى 2013 تم نقلى من مدير إدارة أمن جنوب دارفور مديرا للقطاع الغربى الذى يشرف على ولايات دارفور الخمسة ، فى يوليو 2013 تم إستدعاءنا لإجتماع طارئ وعاجل وتم تنويرنا أن ألرئيس وجه مدير عام الجهاز الفريق أول محمد عطا لتهيئة أمرهم لإستيعاب قوات الدعم السريع .. وقد كان هدف الإجتماع إعمال عصف ذهنى حول البدائل والكيفية التى يمكن عبرها إستيعاب قوات حمدتى داخل الجهاز ، لأننى كنت أكثر الحاضرين إلماما بتفاصيل وخلفية الإحتقان الذى سببته قواتةحمدتى داخل القوات المسلحة ، ولأن نشاط هذه القوات يقع داخل إطار حدود مسئولياتى الجغرافية والأمنية كمدير للقطاع الغربى إعترضت بشدة وبينت خلفية دوافع اللجوء لهذا المقترح وخلفية هذه القوات وممارساتها البشعة فى جنوب دارفور وخطورة إداخالها داخل الجهاز .. وأنا أقول هذا ليس إدعاءا لبطولة كما يظن ناس (زعيط ومعيط) فقد إشتهرت بتلك المعارضات ولكن أقول هذا لأن ما قلته وإعتراضى كان ممارسة طبيعية لمعظم ضباط الجهاز يلقون النصح ولا يبالوا ، وأقول هذا حتى يفهم الناس والعسكريين كيف أنهم أضعفوا وفرطوا فى جهاز ناصح وأمين ،، ولكن لأن قيادات القوات النظامية وفق إنضابطهم العسكرى لا يستطيعون رفض قرار أو توجيه صادر من الرئيس خلص الإجتماع بضم قوات حمدتى إلى هيئة العمليات كمجوعة منفصلة تحت إسم الدعم السريع ويتم الإحتفاظ بها داخل الهيئة كمجموعة منفصلة دون تذويبها فى القطاعات وفق خطة متدرجة كانت تهدف لإعادة تأهيلها عسكريا ومعنويا وتوجيهيا وهو الخيار الذى كان ينبغى أن تتبناه القوات المسلحة

.*لواء /عبد الهادي عبد الباسط*
21 سبتمبر 2024م