رأي ومقالات

توقيع في سجل اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية

غالب دول العالم تؤسس يومها الوطني على يوم استقلالها من الاحتلال، وللعلم يخطئ من يسميه استعمارا لكون الاستعمار من الاعمار والعمران، وما من محتل إلا ويكون شغله الشاغل استنزاف مقدرات وموارد الدولة التي يحتلها.
أما التي لم يطالها الاحتلال فتؤسس يومها الوطني على غير ذلك، ومن الأمثلة دولة اليابان التي تؤسس يومها الوطني على يوم عيد ميلاد امبراطورها تقديسا له باعتاره الراعي للدولة، وكذلك تفعل مملكة تايلند التي تجعل يومها الوطني موافقا لعيد ميلاد الملك بوميبول أدولياديج الذي حكم لمدة 70 عاماً من عام 1946 حتى وفاته عام 2016، باعتبار فترة حكمه قد حوّلت تايلاند من دولة متخلّفة وضعيفة إلى دولة مختلفة تماما.
وكان في الإمكان ان تفعل المملكة العربية السعودية ذلك بجعل اليوم الوطني موافقا لعيد ميلاد بانيها الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، لكنني أيقن بأنه رحمه الله إن كان قد عرض عليه الأمر لرفضه بإباء تنزها وهو المعهود عنه التواضع الجم.
لقد كانت هذه البلاد المباركة قبل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز أمصارا مجزأة ومناطق لاوصل بينها ولا اتفاق، ولم تخل علائقها عن خلافات وحروبات عديدة، ويكفي الملك عبدالعزيز جهد توحيدها لان يكون مندوحة وسببا لجعل يوم مولده يوما وطنيا لهذه الديار المباركة، دعك عن المسعى منه زحمه الله إلى وضعها سامقة على الخارطة الدولية وكذلك المسعى الدؤوب إلى استخراج مكنونات أرضها وهو الذي اثر عنه القول:
نحن موعودون بخير كثير من أرضنا هذه إيمانا منا بدعوة أبينا ابراهيم عليه السلام الذي دعا الله وقال:
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} ابراهيم 37.
لقد قدر لي الله المجئ إلى مكة المكرمة للدراسة في جامعة أم القرى في بداية الثمانينات من القرن الماضي الميلادي، وبالتالي فإن معايشتي للانجازات العظيمة التي ابتدرها باني هذه البلاد في بنيتها التحتية وكل ما له وصل بأمن ومعاش واسعاد شعبها المضياف الخلوق لشهادة تزيد عن الاربعة عقود، يضاف إلى كل ذلك الجهود الضخام التي ابتدرها الملك عبدالعزيز في شان اعمار الحرمين الشريفين والمشاعر، فقد عاصرت عهد الملك خالد ابن عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي واصل مسيرة وانجازات الوالد المؤسس، ثم تبعه بذات العطاء خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، ثم الملك عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، الى ان بلغت تلك المشاريع العظيمة ذراها في عهد سلمان الخير لتلبس المملكة ثوبها القشيب الحالي فاذا كل مدنها وهجرها كالعرائس، وعاش الناس ليشهدوا أكبر توسعة للمسجد الحرام والمسجد النبوي منذ أربعة عشر قرناً.
شملت هذه التوسعة العظيمة إضافة جانب كامل جديد إلى المسجد الحرام من الناحية الغربية، وتمت الاستفادة من السطح العلوي للمسجد والذي وصلت مساحته إلى 61 ألف متر مربع لاستعاب عدد اكبر من المصلين والمعتكفين يصل إلى المليون ونصف المليون، وزيد من عدد المآذن، وانشئت مصاعد كهربائية للصعود إلى الأدوار العليا، وقد اكرمني الله بأن عايشت كل ذلك يوما بيوم طوال فترة اقامتي في هذه الديار المباركة والتي تواصلت بحمد الله إلى يومي هذا.
والحديث عن محامد المملكة ارتهانا بيومها الوطني لايسعها مقال واحد، لذلك قصرت حديثي على جانب واحد من المحامد التي عايشتها جسدا ومشاعرا لأكثر من ثلثي عمري، ولن يستطيع أحد أن يزاود أو ينتقص من الكمال الذي وصلت إليه مباني وحال الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة إلا كائد أو صاحب غرض في عينه رمد، ولم أزل أعيش هنا متفيئا ظلال وحدة لم أجد لها مثيلا في كل أرجاء الدنيا، فكم أجد للهجة أهل الحجاز صداها المحبب الجميل في أنفس أهل الشرقية الكرام، وما أجمل احتفاء أهل جدة ومكة والطائف بلهجة أهل الرياض والقصيم، وهنا يجدر بي إرسال رسالة اعجاب وتثمين إلى الصديقين ناصر القصبي وعبدالله السدحان في ثنايا (طاش ماطاش)، ولعلي أقول بأن الشعوب ان احتفت بطروحات ثقافية ارتقت وأصبحت موائل احتفاء عالمي؛ فإن طاش ماطاش بما تم تقديمه خلالها من طروحات ليوازيها ويزيد، وقد قدر لي مجال عملي بالسفر إلى عشرات الدول في كل قارات العالم حيث رأيت شعوبها وتبينت عوالمها ومعالمها وتلمست الكثير من ملامح وجدان شعوبها، فإذا بالمقارنة ترجح بكفة أهل هذه المملكة الأخيار ٱيجابا.
ومعلوم أن الشعوب والدول يرتهن نماءها وتطورها بسمت وحكمة قياداتها، وان في قول الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه بأن الله ليزع بالسلطان مالايزع بالقرآن اسوة وقرينة، فكم من قادة ارتقوا بشعوبهم، وهاهم شباب هذه المملكة ابناء وبنات يستشرفون ذرى المجد والفوت بين الشعوب وقد وهبهم الله ولي عهد ورئيس لمجلس الوزراء شاب مثقف وحريص -كل الحرص- على كل ما يهم الشباب بما يسهم في ارتقائهم لسلم المجد والرفعة بين الشعوب.
اختم بالقول بأن قائدا لأمة وشعب ابتدر كل هذا الفيض من الخير لشعبه وللأمة الاسلامية قاطبة يستحق من كل شعوب الامة العربية والاسلامية بل وغالب شعوب العالم الاحترام والاعزاز والتبجيل.
التحية لشعب المملكة العربية السعودية المضياف في يوم عيده الوطني، وأسأل الله في عليائه ان تضطرد دعوة أبينا ابراهيم عليه السلام إلى ان يرث الله الارض ومن عليها.
اللهم آمين.

عادل عسوم