منع الهجرة أكبر تناقض في بنية الإقتصاد العالمي

منع الهجرة أكبر تناقض في بنية الإقتصاد العالمي:
إن متابعي موسم الانتخابات الأمريكية المخيف هذا يعرفون أن الشعارات المناهضة للهجرة احتلت مركز الصدارة كقضية رئيسية مع نشر ترامب وفانس للأساطير والأكاذيب والكراهية ضد المهاجرين.

من ناحية أخرى، تحاول كمالا ونائبها إظهار أنهما يدعمان السيطرة على الهجرة غير الشرعية ولكنهما يحاولان أيضًا إظهار التعاطف ومن الواضح أنهما لا يهاجمان المهاجرين.
على الرغم من أن الديمقراطيين ليسو بوقاحة وسمية الجمهوريين عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين، إلا أن سياساتهم قد لا تكون سخية بالفعل تجاههم.

نتذكر جميعًا أن أوباما على الرغم من حديثه اللطيف، قام بترحيل مهاجرين بكثافة غير مسبوقة وتفوق علي جورج بوش في طرد الأجانب حتي لقبوه بكبير المرحلين.
وقد لخص أحد الأخوة العرب الفرق بين الديمقراطيين والجمهوريين بان الحزب الأول إذا فاز “يحلب الناقة بلا ضجيج أما الحزب الثاني فيحلبها ويكشف عورتها ويصيح عليها ويلعنها حتى يسمعه الجميع. وهي مثقوبة في كل الأحوال”.

لكن الولايات المتحدة ليست وحدها. المشاعر المناهضة للمهاجرين مرتفعة في أوروبا وقد حققت الأحزاب اليمينية مكاسب انتخابية كبيرة برفع شعارات معادية للهجرة وكارهة للأجانب.
لكن السياسة الغربية المناهضة للهجرة تفتقر إلى المنطق، وتستند علي التناقض الأكثر جوهرية في الاقتصاد العالمي اليوم. فهذا الإقتصاد المعولم يسمح بحرية حركة بعض عوامل الإنتاج ويمنع البعض الآخر في تناقض فادح وفاضح.

إن أي مجموعة بشرية، كي تحافظ علي وجودها، تحتاج إلى العمالة ورأس المال والقدرة على تبادل السلع التي تنتجها حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة بخلق فرص العمل وتوليد الدخل.

ولكن لاحظ أن النظام الاقتصادي الكوني المعولم يفرض قيوداً شديدة على حركة العمالة (المهاجرين) ولكنه يسمح بحرية حركة رأس المال ويشجع حرية حركة السلع في التجارة بين الدول والقارات.

والمفارقة هنا أن هذا النظام الاقتصادي العالمي خلقه الغرب وفرضه على بقية العالم بقوته السياسية والعسكرية وبسطوة المنظمات الدولية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

وكأن هذا الإقتصاد المعولم مصاب بالفصام إذ يقول لفقراء العالم: اسمعوا، إن أغنياءكم يستطيعون إخراج رؤوس أموالكم من بلادكم وحفظها في الخارج في بنك أو إستثمار أو عقار بدلاً من استثمارها داخلياً بما يتيح لكم إيجاد فرص عمل والحصول على دخل.

وتستطيع الشركات الأجنبية أن ترسل صادراتها للهيمنة على أسواقكم ما قد يقود إلي إجهاض أو إفلاس المنتجين المحليين الذين لا يستطيعون المنافسة ضد الشركات الأجنبية الأكثر قوة، وعندما تغلق شركاتكم أبوابها، قبل أو بعد أن تولد، لأنها لا تستطيع المنافسة ضد السلع المستوردة، فإنكم تفقدون وظائفكم وتصبحون عاطلين عن العمل.

ولكن أيها الفقراء، حتى وإن خسرتم رؤوس أموالكم ودمرت البضائع المستوردة منشآتكم التي تخلق فرص العمل، فإن عليكم البقاء في مكانكم حتي بعد هروب راس مالكم واستباحة أسواقكم. ممنوع الهجرة ــ فرأس المال يمكن أن يهاجر، وسوقكم يمكن أن تهاجر باستيلاء المصدرين الأجانب عليها، ولكنكم كأشخاص وكبشر لا يمكن أن تهاجروا.

غير مرغوب فيكم ولا يمكنكم أن تهاجروا حيث هاجر راسمالكم المالي وراسمالكم البشري وهاجرت أسواقكم المختطفة.
بل ستبقون في بلدكم الذي شلعناه.

معتصم أقرع

Exit mobile version