رأي ومقالات

الزول طلع دكتور ساكت

الزول طلع دكتور ساكت:
تحتل الدرجات العلمية أهمية غير مستحقة في الفضاء السياسي السوداني – فهذا دكتور وذاك باشمهندس واخر بروف وهكذا ومن فاته الميري صار “مفكر”.

هذه هلولة غير مستحقة لأن من يشارك في الشأن العام لا يهم الشعب إلا سلامة موقفه من الناحية المعرفية والأخلاقية ولا شيء سوي ذلك.
والدرجات الأكاديمية مهما انتفخت لا تعصم صاحبها من البلادة والفساد.
فكونك جراحا ماهرا أو أستاذا افي الجامعة لا يعني أي معارف خاصة بشؤون السياسة والإجتماع.

وكونك صاحب درجات عليا في الأقتصاد لا يعني أنك فوق شبهات الكمبرة والضحالة والتواجد الفكري علي سطح دعاية الراسمال عن نفسه. وينطبق المنطق علي خريجي كل التخصصات.
لا يوجد هذا الأهتمام المبالغ فيه بالتأهيل الاكاديمي في الخطاب السياسي-الثقافي الغربي فلم نقرا عن بروفيسور فوكو ولا دكتور سارتر ولا الدكتورة البروفيسورة بيل هوكيز.
ولا أعلم هل تأليه الدرجات الأكاديمية ظاهرة عالم-ثلاثية أم أنه مرض فكري سوداني خاص يعيد إنتاج تراتبية طبقية مضروبة بطريقة أخري. أتمني أن ينورنا من يعرف شعوب العالم الأخري عن قرب.

بالعربي لا يجوز الدفاع عن موقف فاسد معرفيا أو سياسيا أو أخلاقيا تحت غطاء واللهي ر الزول ده مؤهل. ودعنا نتذكر أن الجبهة الإسلامية التي زرعها الترابي تمتع شق معتبر من كادرها بتعليم رفيع بداية بعرابها نفسه كما أن دكتاتورية نميري خدمها علماء أجلاء لا زالت البرجوازية السودانية تحتفل بهم وتمارس فقدان الذاكرة المقصود وتتظاهر وكأنهم كانوا في صف الديمقراطية من المهد إلي اللحد.
في قضية الالقاب العلمية حكي كمال الجزولي:

“حدث، على أيَّام النِّظام البائد، أن أقيم تكريم لعبد الله الطَّيِّب، فجاء إلى الحفل مرتدياً حُلَّةً أفرنجيَّة. وتناوب المتحدِّثون على منصَّة الخطابة يقرنون اسمه، حين يذكرونه، بألقاب مختلفة، منها «شيخ»، و«بروف»، و«دكتور»! وعندما جاء دوره في الحديث، علَّق ضاحكاً بقوله: فأمَّا بالنِّسبة للقب «شيخ»، فقد قصدتُّ أن أجئ بهذا الزَّي الأفرنجي لأؤكِّد أنني فسَّرت القرآن الكريم وأنا، في الأصل، أفندي! وأمَّا بالنِّسبة للقب «بروف»، فقد حدث أن عيَّنوا لنا مديراً للجَّامعة، فكان أوَّل شئ طلبه منَّا أن نمنحه لقب «بروفيسور»، فزهدتُّ في اللقب! وأمَّا بالنِّسبة للقب «دكتور»، فحين عدتُ به، أوَّل الأمر، من انجلترا، كنت أكاد أطير زهواً به؛ ثمَّ كُلِّفت بالذِّهاب إلى الجَّنوب لأرى إمكانيَّة تأسيس جامعة هناك. فركبت الباخرة. وفي الليل أيقظتني جلبة أمام باب «قمرتي»، فخرجت لأتبيَّنها، فوجدتُنا متوقِّفين عند بلدة صغيرة، وثمَّة أناس يحملون «رتينة»، ومعهم مريض، ويبدو أنهم سمعوا بأن في الباخرة «دكتوراً»، فجاءوا يطلبونني لعلاجه! لكنني اعتذرت لهم بأنني لست دكتوراً في الطِّب البشري، وإنَّما دكتور في الأدب! فغادروا الباخرة، محبطين، وهم يصيحون لذويهم المنتظرين على الرَّصيف: «الزول طلع ما دكتور .. طلع دكتور ساكت»! ومن يومها باخ اللقب في نفسي ! .”

معتصم اقرع