رأي ومقالات

الجزولي : هامة وطنية

فى ثمانينات القرن الماضى عرفنا الدكتور عمر الجزلي عن قرب ، حيث اكمل تجاربه العملية بدراسة الإعلام بجامعة ام درمان الاسلامية ، مسيرة بدأها فى ريعان الشباب مع شقيقه الاكبر المهندس عبدالمنعم الجزولي فى خمسينيات القرن الماضى حيث ابتدعوا بثا إذاعيا فى مدينة تندلتي ، كان عبدالمنعم مخترع الاجهزة وعمر صانع المحتوى والمذيع ، هكذا نشأ عمر ، وطيلة مسيرته ، فإن ثلاث خصال هى سماته:

اولها: ذلك الإلتزام الرفيع والحرص الدقيق فى مهامه وادواره ، فى كل تفاصيل حياته ، حتى هندامه الانيق وعطره اللطيف وخطه الجميل وعباراته السلسة والتهذيبه الفائقه ، وغيرته على عمله وحبه له..

كان الزملاء يعرفون جدوله واين يكون على مدار الأيام ، فى يوم الاثنين تسجيل حلقة البرنامج (أسماء فى حياتنا) ، وفى يوم الثلاثاء نشرة اخبار التاسعة (العاشرة) م والاربعاء المونتاج ، فى يوم الخميس فى بحرى مع شقيقته فى يوم الجمعة نشرة الثالثة عصرا وبث حلقة البرنامج..وهكذا

قبل ساعة من النشرة سيكون (الأستاذ الجزولي) قد قرأ وراجع النشرة وتحدث مع المحررين ورئيس القسم ، التدقيق فى كل شىء ، ورغم تاريخه ومسيرته وتجاربه ، إلا أن الاعداد المبكر والترتيب هو سمته العامة لا مجاملة فيها..

وثانيا: تلك النزعة الخاصة بالشخصية ، والاعتزاز بالنفس ، مما عزز حس النزاهة عنده ، لا يمكن أن تجده فى اقتراب من الماديات ، فهو نشأ وتربى فى عائلة ميسورة الحال ومبسوطة اليد ، وأبعده ذلك عن دائرة التحيز السياسي والانتماء الضيق للمنطقة أو الحزب أو القبيلة ، فهو ابن السودان كافة..

وثانيا: ذلك الحب للوطن والأرض ، ذلك الدفء مع هذا السودان فى تاريخه المجيد وفى سيرة رموزه وفى ثقافته وفى (هدأة ليله) ، ذلك عمر ..

ولكن جوانب اخرى فى الدكتور عمر الجزلي تخفيها الجدية البادية على مظهره ، وهو تلك المودة والعرفان ، والذين يعرفون لديهم تفاصيل علاقاته بوالدته وهو يحبو تحت قدميها ، ويحنو عليها ويحن لها ، لا يفارقها ساعات إلا عاد لها متلهفا..

وللدكتور عمر علاقة متينة بالاذاعة ، استديوهاتها ، شخصياتها ، وارشيفها وأثيرها ، أنه ايقونة وطنية..

ويمكن أن نعيد ذات مقدمة برنامج أسماء فى حياتنا ، وذات المقدمة التى كتبها دكتور عمر عام 1972م فى أول حلقات البرنامج ومع أول شخصية (محمود ابوالعزائم) حيث كتب (على امتدا التاريخ الانسانى تلمع انوار تأبى ان تخبو لانها لمعت على الإنسانية بابهى الاضواء فبددت اشجانها ومست اجفانها بأحلام ياحرة وهدهدت نفوسها بأنغام اثرة ثم مضى منها من مضى من عالم الاجسام الزائل لكن صداها خالدا على الايام والاحداث التي تمضى ثم تنسى ومثلما تنبت هذه الأرض المعطاءة الازاهير من بين الاشواك فان ذات الأرض الطيبة قد انجبت لنا افذاذا متفردين رجالا ونساء صنعوا وصاغوا تاريخنا السياسى والفكرى والادبى)..

ومع ظروفه الصحية ، فإن الدكتور عمر يطل كل لحظة واخرى متساميا فوق ألمه للتعبير عن تعاطفه مع شعبه واشفاقه على وطنه..
حيا الله الدكتور الجزولي وشفاه الله وعافاه ، وبارك في ايامه..

ابراهيم الصديق على
31 اغسطس 2024م