رأي ومقالات

حياة الماعز … قصة الراعي الهندي

حياة الماعز … قصة الراعي الهندي …
شاهدت جزءا من الفلم الهندي الذي أثار ضجة ولا يزال ويعرض قصة هندي وقع فريسة لبدوي محتال أخذه من المطار إلى الصحراء حيث صار أسيرا مستعبدا لرعاية أغنام البدوي.
في الحقيقة لم أعد بحاجة لمشاهدة باقي الفلم ومافيه من تراجيديا يجيد الهنود حبكها وتجسيدها فمثل هذه القصص كانت متداولة في تجمعات المغتربين وكانت قصص مماثلة قد حدثت لرعاة سودانيين في الثمانينات وجدوا نفسهم تحت وطأة الاستغلال لسنوات وحين أخذوا يطالبون بحقوقهم نالهم التنكيل وأضطر بعضهم للفرار في تراجيديا قاسية.

حدثت تلك المآسي قبل عصر ثورة الاتصالات ولكن لاحقا وبالتدريج غطت أبراج الاتصالات كل المساحات والجغرافيا ولا أظن أن هناك اليوم موقعا يمكن أن يحبس فيه مستضعف داخل جدران العزلة.

ولكن الثغرة في قصة الراعي الهندي والتي ستكون قد مرت مرور الكرام على الكثيرين أنه قد حصل على الفيزا بواسطة سمسار دفع له الهندي مبلغا محترما من المال ليسافر لدول الخليج فهو إذن أجرم في حق نفسه إبتداءا لأن هذا النوع من الفيز الصورية لا يكون هناك أحد في استقباله عادة لأن كفيله الصوري لا يكون ملتزما له بأية حقوق ، لا إستقبال ولا راتب ولا رعاية ولا سكن ، ويتم عادة استقبال العامل بواسطة شبكة تجارة الفيز ويقوم الكفيل الصوري لاحقا باستخراج إقامة العمل ويتحرك العامل ويكسب أجره من العمل الحر في السوق مقابل سداد مبلغ شهري من المال للكفيل يكون عادة بين 100 و200ريال.

حين وصلت للرياض في أول أيام اغترابي ولن أنساه أبدا كان مساء يوم 12 يناير 1981م وكان الوقت مساءا ولم يستقبلني أحد ولم أقلق لذلك.

أخذت تاكسي وطلبت منه توصيلي لفندق رخيص وأوصلني لفندق إسمه فندق التاج وسط سوق البطحاء.

في صباح اليوم التالي استقليت تاكسي وطلبت منه توصيلي لشركة دواجن السعودية في تقاطع شارع الملز وشارع الجامعة ، وكانت معي ارقام التلفونات ، ولم تكن الهواتف الجوالة قد ظهرت.

وصلت لمقر الشركة ودخلت أحمل شنطتي وفي الصالة وجدت سكرتيرا مصريا إسمه محمد فهيم.
سلمت عليه وقلت له : أنا كمال حامد ، وسرعان مانهض مرحبا مهللا : حمدا لله على السلامة ياباشمهندس ، ثم أخذ يلتفت لأحد المكاتب وهو ينادي : يادكتور إبراهيم … يادكتور إبراهيم … الباشمهندس كمال حامد وصل.

وخرج دكتور إبراهيم سليمان الأمين من أبناء الجديد الثورة للسلام وهو يبتسم مرحبا ، وكانت أول مرة أعرفه فيها وكذلك الأستاذ محمد فهيم.

إذن البدايات الصحيحة تجعل مساراتك سليمة ولا تجعلك محتارا وعرضة للاستعباط كما حصل للهندي.

والبدايات دائما لا تنسى في شخوصها وصورهم ولهذا لم أنس يوم استقبالي الأول والوجوه والأسماء والابتسامات.

المملكة العربية السعودية حقا بلدي الثاني قضيت فيها سنوات عمري الفتي المثمر وكثير من القصص التي تروى عنها أعلم جيدا ثغراتها ونقاط ضعفها وقياسات لها شبيهة ومهما كان في نظام الكفالة من سلبيات فهو نظام وفر لهم السيطرة والتحكم في ملايين البشر الداخلين والمغادرين وهو نظام أسندت فيه الحكومة جزءا من صلاحياتها للمواطن وكم فيهم من ذوي المروءات ولنا تجارب معهم ولكن السينما لا تبحث عن هؤلاء لأنها تبحث عن الإثارة وإدرار الدموع واستجلاب السخط.

#كمال_حامد 👓