تمثل مشاورات جدة بين الوفدين السوداني والأمريكي و ما تبعها من تفاعل مع تصريحات الوزير أبو نمو نقطة تحول مهمة في الحرب. فهي قطعا قد أظهرت لقيادة الدولة ممثلة في البرهان ومجلس السيادة الفرق الحاسم بين تمثيل السودان بواسطة الحكومة وتمثيله بواسطة الجيش في الرمزية وأيضا في الأداء.
لقد كانت الدولة مغيبة كليا في ملف التفاوض؛ إذ لا توجد دولة، ولا حكومة، يوجد “طرفي نزاع” هما الجيش والدعم السريع؛ وضع كارثي بمعنى الكلمة. وكلنا نتذكر كيف رفض وفد المليشيا وجود أعضاء مدنيين ضمن وفد الحكومة أثناء مفاوضات جدة في أيامها الأولى، بل ووصفوهم بأنهم من الفلول، وقام مجلس السيادة بإبعادهم. هذا الوضع انتهى الآن بغير رجعة.
لأول مرة يجري حوار مع الخارج في جو صحي تسوده الثقة في وفد الحكومة؛ لا تكهنات، لا تشكيك ولا تخوين، ولا إشاعات، وبعد انتهاء المشاورات كانت كل شيء واضحا أمام الرأي العام والشعب والعالم. لأول مرة منذ بداية الحرب تكون هناك حكومة يتابعها الناس ويثقون بما تفعله وتقوله ويدعمونها. والأمر كله في منتهى البساطة ولم يكن يتطلب كل هذا الوقت لنقوم به. ولأول مرة البرهان بعيدا عن دائرة الشكوك والاتهامات والشتائم بدون سبب. وهذا أمر يجب أن يعض عليه البرهان بكل أسنانه. أترك الحكومة تعمل بمهنية وشفافية وستنام أنت والسيد الوالد وكل العائلة الكريمة بسلام وسكينة.
هذا الاتجاه الجديد من الأفضل أن يتطور لتكوين حكومة برئيس وزراء قوي وله كامل الصلاحيات؛ حكومة مدنية يدعمها كل الشعب السوداني وتمثل الدولة، وفي ذلك خير كبير للجيش وللبرهان ولكل قادة مجلس السيادة وللشعب السوداني. والأمر ليس بتلك الخطورة.
حليم عباس