سجال عشاري والدرديري … والعدالة الانتقالية …
استمعت إلى سجالات الدكاترة الدرديري وعشاري.
وكان لي قبل عام تقريبا مقال منشور تعقيبا على مقال دكتور الدرديري عن تشريقة عرب الشتات ومقارنتها بتغريبة بني هلال واعترضت فيه على مصطلح عرب الشتات وقلت أنهم عرب في تلك الصحارى منذ قرون وأن الحقبة الاستعمارية وما تلاها من أنظمة أفريقانية هي التي جعلتهم بدونا Stateless وهذه الصفة تنطبق على قبائل أخرى مثل الفلاتة الأمبررو وستجد في التعليقات بالأسفل الرابط لذلك المقال.
ولكن تكمن المعضلة في إقتراح العدالة الإنتقالية إقتداءا بدول أخرى مثل رواندا لعدم وجود شبه في الخلفيات والسياقات.
خلفيات كراهيات رواندا وحربها الأهلية :
إن الحالة الرواندية لا تصلح أبدا للمقارنة بما حدث في السودان ، ذلك أن الكراهية بين الهوتو والتوتسي كانت متأججة منذ عقود الاستعمار ولم تولد أبدا عند مقتل الرئيس جوفينال هابياريمانا، وهو من الهوتو، عندما أُسقطت طائرته فوق مطار كيغالي في 6 أبريل 1994م.
فمنذ أن استعمر البلجيك رواندا في 1916م لفت نظرهم الفرق الواضح بين التوتسي والهوتو في الملامح والصفات الجسدية ، فبينما كانت ألوان بشرة وملامح الهوتو تميل إلى السمات التقليدية للبانتو في عموم منطقة البحيرات فقد لاحظوا أن التوتسي ألوان بشرتهم فاتحة وطوال القامة وملامحهم وأنوفهم دقيقة شبيهة بالصوماليين والأثيوبيين من شرق أفريقيا مع بعض إدعاءات الأصل الإسرائيلي ، وعليه قرر البلجيك أن التوتسي متفوقين عرقيا وعقليا وبدأوا في منحهم معاملة تفضيلية في جميع النواحي.
هذه المعاملة التفضيلية التي تلقاها التوتسي بالقبول كانت سبب تراكم الغبن والكره لدى الهوتو الذين يمثلون حوالي 85% من السكان الذين كانوا ينقسمون بين الهوتو والتوتسي 10% مع نسبة ضئيلة لإثنيات أخرى.
وعليه فإن مقتل الرئيس المنتمي للهوتو وما تلاه من تحريض إعلامي ساهم فقط في إشعال تفجير حرب كان ضرامها مشتعلا تحت الرماد بين الهوتو والتوتسي لعقود طويلة وكان التوتسي مستعدين فلم يؤخذوا على حين غرة فقد كانت قواتهم المدربة جيدا في يوغندا في انتظار اللحظة المناسبة في يوغندا التي يحكمونها فزحفت بعد بدء المذابح واستطاعت الانتصار ودخول العاصمة كيجالي.
هل كان هذا حالنا هنا بين سكان الشريط النيلي وعرب دارفور ؟ هل يمكن المقارنة بين ما كان يكنه الشريط النيلي لعرب دارفور من إحسان الظن والقبول والتقبل بما كان بين الهوتو والتوتسي في رواندا من إحن وأحقاد متبادلة ومتراكمة لعقود ؟
وهل كان بين أهل الشريط النيلي وبين مكونات دارفور بعربها وزرقتها خلافات حواكير ؟ لا ، لم يكن بينهم ولا حتى جوار في أراض القبائل مما يستدعي مثل تلك النزاعات الدارفورية بين حدودي وحدودك وأرضي وأرضك.
ولهذا فإن استدعاء العدالة الانتقالية كمصطلح وتطبيق لا مكان له من الإعراب في الحالة السودانية لأنه يتطلب طرفين كانا متساويين في مشاعر الكراهية وبينهما حروب كانا متكافئين فيها في التسليح والاستعداد المسبق كما بين الهوتو والتوتسي ، وبالتأكيد لم يكن هذا حال مجتمعاتنا العزلاء في الوسط وهي تتلقى الهجمات المفاجئة على حين غرة وتقتحم بيوتها وتهجر وتنهب وتستباح في حرب الخرطوم 15 أبريل 2023م بينما كان شبابها يهتفون قبلها بأربع أعوام فقط بأن كل البلد دارفور !
إن مفهوم العدالة الانتقالية الرواندي كان مقبولا لوجود طرفين متعادلين متكافئين في الكراهية والتسلح كآلية لطي صفحة الماضي بإعترافات متبادلة وإقرارات متبادلة بالجرائم ، وفي هذا الصدد فماذا لدى مجتمعاتنا بالوسط لتقر به وتعترف به وجرابها خلو مما يمكنها تقديمه من إعترافات في محاكم العدالة الإنتقالية اللهم إلا إذا كان المطلوب منها قبول إدانتها مجانا بدون رأسمال جرائمي تدخل به تلك المحاكمات !
#كمال_حامد 👓