تحقيقات وتقارير

البرهان وبن زايد.. قصة مكالمة هاتفية أثارت جدلاً

“لا أحد يدري ماذا قال رئيس مجلس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لرئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان داخل السيارة الرئاسية التي أقلتهما من مطار بورتسودان إلى داخل المدينة، أثناء قيادة البرهان للسيارة مع آبي لوحدهما لا ثالث لهما، لكن الراجح أن آبي أحمد كان يحاول إقناع البرهان بضرورة قبول الحديث مع رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد”.
هكذا تحدث أحد المقربين من البرهان لموقع “المحقق الإخباري” ليكشف تفاصيل التحولات المفاجئة في إجراء الاتصال الهاتفي بين البرهان وبن زايد.

وقال تعميم صحفي مقتضب نشره مجلس السيادة الإنتقالي (الجمعة)، بأن البرهان تلقى (الخميس) إتصالاً هاتفياً من رئيس دولة الإمارات المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

ووفق التعميم فقد أبلغ رئيس مجلس السيادة رئيس دولة الإمارات أن بلاده متهمة من السودانيين وبأدلة وشواهد كثيرة تثبت دعمها للمتمردين ، الذين يقتلون السودانيين ويدمرون بلدهم ويشردونهم، وأن على الإمارات التوقف عن ذلك.

بيان مجلس السيادة جاء بعد نحو 24 ساعة عقب نشر وكالة الأنباء الاماراتية خبر الاتصال الهاتفي مساء الخميس، مما أثار في حينه جدلاً واسعاً وسط المراقبين حول مَن بادر بالإتصال، وما إذا كان للأمر صلة بدور يقوم به آبي أحمد كوسيط بين البلدين.
وفي التاسع من يوليو الجاري، وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى مدينة بورتسودان، في أول زيارة له منذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل من العام الماضي بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، وأجرى خلالها محادثات مغلقة مع رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.

وأكدت مصادر متطابقة وحسنة الإطلاع ، تحدث إليها موقع “المحقق” الإخباري أن الذي بادر بالإتصال هو الشيخ محمد بن زايد ، وأن المحادثة التي استغرقت زهاء نصف الساعة، كان أغلب الحديث فيها من قبل الرئيس البرهان الذي كرر انتقاداته للدور العدائي والسالب الذي تقوم به الإمارات تجاه السودان وشعبه، وأنه ما لم يتغير هذا السلوك العدائي، فإن السودان لن يقبل بأن تكون الإمارات جزءاً من منبر لإيجاد معالجة إنسانية أو تسوية سياسية لموضوع الحرب.

وأكدت المصادر بأن البرهان، وهو يستقبل المكالمة، كان محاطاً برجاله ومساعديه.

وكان رئيس تحرير موقع “المحقق” الإخباري العبيد أحمد مروح، قد دون على صفحته الرسمية بالفيس بوك تحليلاً ربط فيه بين حدوث المكالمة بين البرهان وبن زايد وبين الجهود التي ظلت تبذلها الإدارة الأمريكية لتوسيع منبر جدة وإضافة كل من مصر والإمارات ومنظمة “الإيغاد” إلى “المسهلين”، بعد أن ظلت مهمة التسهيل في المنبر حصرية على المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
وأشار مروح في تدوينته: “الأهم عندي هو أن نشغل أنفسنا بما سيحدث، أو للدقة ، بما يريده رعاة الحرب ومشعلوها أن يحدث، وأعني بهؤلاء تحديداً الولايات المتحدة الأمريكية”.

توسيع منبر جدة
وأشار مروح إلى أن الولايات المتحدة سعت “لتعطيل أو تجميد” منبر جدة، لأنه لم يحقق لها الهدف السياسي الذي كانت تسعى من أجله، وأنها عولت على توسيع المنبر بإشراك “الإيغاد” أو “إيغاد +” في مفاوضات منبر جدة وأن محاولات من هذا القبيل حدثت بالفعل، للدرجة التي جرى فيها ترتيب قمة للإيغاد في جيبوتي وكان من المفترض أن يعقبها لقاء بين الرئيس البرهان وقائد مليشيا التمرد، لكن ذلك لم يحدث للأسباب التي يعلمها الجميع”.

وأضاف :”ثم جرت محاولات “لتوسيع” منبر جدة من خلال مفاوضات المنامة وأضيفت كل من مصر والإمارات إلى تلك المفاوضات، كوسطاء، وهي المفاوضات التي انتهت إلى الفشل”.
وأكد رئيس التحرير في موقع “المحقق” الإخباري أن موضوع توسيع منبر جدة وإضافة كلاً من مصر و الإمارات للأطراف “المسهلة” للتفاوض، هو الهدف الرئيسي الذي ظلت تسعى وراءه إدارة بايدن، وهو في نفس الوقت ظل يمثل العقبة التي تقف أمام إعادة إنطلاق المنبر، مشيراً إلى أن الرئيس البرهان شخصياً ظل يُكرر بشكل ثابت أنه لن يقبل أن يكون الطرف الذي يزيد نيران الحرب اشتعالاً، جزءاً من جهود تسهيل الوصول إلى حل، وأن البرهان بقي على هذا الموقف حتى زيارة نائب وزير الخارجية السعودي إلى بورتسودان الأسبوع الماضي.”

استجابة لدول الجوار
بينما يرى عوض بابكر السكرتير السابق للأمين العام الراحل للمؤتمر الشعبي حسن الترابي بأن الاتصال لا يعبر عن موقف جديد للامارات بقدر ما هو مناورة منها للاستجابة لضغوط حلفائها في الإقليم (تشاد ،جنوب السودان، كينيا ،اثيوبيا ، الاتحاد الأفريقي).
وقال :”الحرب بدأت معالمها تتجلى بتأثيرات علي الأوضاع الداخلية علي تلك الدول ، فتشاد تخاف من ارتدات التطورات الميدانية في ساحة دارفور حيث تحسن وضع الجيش والقوة المشتركة من حركات الكفاح المسلح التي بدأت تنفتح وأصبحت تهدد مدناً تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع وهذا يعني تهديد للعمق التشادي الضعيف ولذلك فإن استمرار دعم تشاد للمليشيا، رغم الطلب الاماراتي، ستجني منه خسائر ربما تهدد الأوضاع الداخلية للرئيس كاكا ،أما جنوب السودان فيعيش أزمة اقتصادية بسبب تداعيات الحرب وشبه تعطل انسياب النفط وأزمة سياسية اضطر معها سلفا كير لتعطيل الانتخابات و تأجيلها، وأزمه أمنية كذلك ،فغالب الذين يقاتلون بجانب مليشيا الدعم السريع من مكون النوير المعارض لسياسات سلفا و الدينكا ، وفي كينيا يواصل المتظاهرون مطالباتهم برحيل الرئيس روتو ، أما الحليف الإثيوبي فيعيش شعبه تحت أزمة غلاء طاحن بالإضافة للأزمة الأمنية التي جعلت غالب الأقاليم والمليشيات في حالة غليان مما تهدد وجود الدولة الإثيوبية وأبي احمد، انفتاح المليشيا شرقا وقربهم من الحدود الإثيوبية مهدد اخر خاصة بعض الذين يقاتلون بجانب المليشيا هم من قوات الفانو المعارض الاشرس لابي احمد الحرب في السودان اتاحت لهم فرصة للتدريب والتنظيم والسلاح و الانطلاقة من عمق السوداني”.

وتابع :”كل هذا دفع ضابط المخابرات ابي احمد بمراجعة حساباته ونجح في نقل كل هذا المخاوف الإقليمية لأصدقائه الإماراتيين طالباً مساعدتهم للتهدئة أو المناورة ، فكانت استجابة الامارات بالاتصال وهو ليس بالضرورة يعبر عن قناعة حقيقية بدور بناء ترغب في تبنيه.
وأضاف عوض “ستذهب هذه الخطوة أدراج الرياح مع أول طلقة للمليشيا والتي متوقع بعد هذا الاتصال أن تكون أشرس حتى تستطيع إثبات وجودها”.

زيارة مرتقبة من البرهان لمصر
وعلى ذات الصعيد، قال مصدر مطلع لموقع “المحقق” الإخباري بأن الرئيس البرهان سيتوجه إلى جمهورية مصر العربية خلال الأيام القادمة، في زبارة يبحث خلالها مع الرئيس عبدالفتاح السيسي العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك بين البلدين وآفاق المستقبل.
وكانت تقارير إعلامية قد أوردت أن الرئيس السيسي قد اقترح على البرهان في آخر زيارة له إلى مصر أن يتخذ خطوات عملية في تشكيل وفد للتفاوض على هدى ما حدث في منبر جدة، وأنه سيدعم أي خطوة للتقارب أو تخفيف التوترات بين السودان والإمارات.

القضارف – المحقق – طلال إسماعيل