تلجلج الحركة قطاع الشمال
مع انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات حول المنطقتين بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بدأت الحركة الشعبية قطاع الشمال في وضع العراقيل وإثارة موضوعات وقضايا لا علاقة لها بسير الجولة التفاوضية.
صدر بيان عن الحركة أمس ممهور بتوقيع ناطق وفدها الرسمي مبارك أردول، وقبله كانت هناك تصريحات لرئيس الوفد ياسر عرمان، وزعمت أن الحكومة صدرت عنها إشارات يفهم منها عدم رغبتها في السلام!! ولخص قطاع الشمال هذه الإشارات في غياب البروفيسور إبراهيم غندور عن قيادة الوفد الحكومي المفاوض، وإسناد رئاسة الوفد للأستاذ عمر سليمان الذي وصفته الحركة بأنه غير ملم بترتيبات التفاوض والقضية، وحاولت تشويه صورته كأنه شخص لا علاقة له بقضية المنطقتين وليس قيادياً في الحزب الحاكم أو له موقع في الدولة، وزعمت الحركة الشعبية قطاع الشمال أيضاً أن غياب غندور أو تغييبه كما ألمح بيانها فيه تكرار لما حدث في اتفاق «نافع ــ عقار» الذي ألغي من قبل رئيس الجمهورية كما جاء في البيان، ثم أورد ناطق الوفد الرسمي أردول أن القوات المسلحة صدرت عنها تصريحات تؤكد فيها قدرتها على جلب السلام في المنطقتين قبل التفاوض.
وهذا الموقف الغريب دفعت به الحركة لآلية الوساطة وقالته على رؤوس الأشهاد لوسائل الإعلام، وتلقفت بيانها كل المواقع الالكترونية الجائعة لمثل هذه الترهات.
والغرض من هذا الموقف الغريب هو تعطيل التفاوض، وإثارة الغبار الكثيف حوله، فعدم رئاسة غندور لوفد الحكومة لهذه الجولة سببه الرئيس هو سفره في مهمة خارج البلاد، ولا يعني غياب غندور لأي سبب تخلي الحكومة عن التزامها بالحضور ومواصلة التفاوض، ورئاسة عمر سليمان للوفد شيء يخص الحكومة ووفدها ولا علاقة لهذا الأمر بالعملية التفاوضية، فالحكومة تبعث من تشاء، وهل رفضت الحكومة رئاسة عرمان لوفد قطاع الشمال حول مفاوضات تخص المنطقتين وهو لا علاقة له بالمنطقتين؟ فعمر سليمان قيادي أصيل في الحزب الحاكم، وكان وزيراً اتحادياً سابقاً، وشغل من قبل منصب والي جنوب كردفان إحدى المنطقتين، ويتولى منصب نائب رئيس مجلس الولايات حالياً، وهو عضو في وفد الحكومة التفاوضي، وكان ضمن اجتماعات « 4+1» في الجولة السابقة وهي الاجتماعات المشتركة التي حددت مسارات التفاوض الحالية، وهو صاحب خبرة ورؤية حول وضع المنطقتين، فكيف تطعن الحركة قطاع الشمال في رئاسته لوفد الحكومة؟ فهذا سهم مردود إلى نحرها هي قبل أن يصوب نحو الحكومة.
أما القضايا المتعلقة بتصريحات الجيش وغيرها، فالحرب لم تتوقف وإطلاق النار لم يقر بعد ومازال الأمر سجالاً، فإذا كانت الحركة الشعبية قطاع الشمال جادة في التفاوض فلتتجه نحو القضايا المهمة المطروحة على الطاولة ولا تتعامل بتصريحات حملتها صحف الخرطوم كما قال بيان أردول.
يوم مع الشرطة
قضينا سحابة نهار الخميس أول من أمس، في جولة طويلة بالطائرات العمودية، مع قوات الشرطة، زمرة من رؤساء التحرير وقادة الأجهزة الإعلامية وكبار الكتاب والشعراء، دعتهم رئاسة شرطة السودان وبوجه أخص الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام التي يقف على رأسها اللواء شرطة السر أحمد عمر الذي رافق هذا الوفد الإعلامي الكبير، لتطواف على مشروعات تأهيلية جديدة تضاف لسفر الشرطة في التطوير والنهوض بعملها ليواكب المتغييرات الحديثة.
وبدأت الجولة من مطار الخرطوم، من داخل إدارة طيران الشرطة، وهي إدارة فاعلة ومتقدمة، أنشئت في ستينيات القرن الماضي، ولا يقتصر دورها على تجهيز وقيادة الطائرات، إنما تتعداه إلى مكافحة الجريمة والتهريب ومراقبة الحدود والإسعاف والتخطيط والإنذار المبكر والتعامل مع الكوارث وعمليات الإنقاذ والإرشاد بجانب مهامها الشرطية التقليدية المعروفة، وقدم العميد شرطة محمد عظيم قائد الوحدة والمقدم ممدوح شرحاً وافياً قبل توجهنا نحو الطائرات العمودية عن هذه الوحدة ودورها وجاهزيتها ومهامها.
وحلقنا فوق مدينتي الخرطوم وأم درمان في جو غائم نسبياً، ووصلنا منطقة «الصفيراية» غرب أم درمان في منطقة خلوية، تتخللها تلال صغيرة أقيم فيها أكبر مراكز التدريب الشرطية في المنطقة وليس في السودان فقط، منشأة ضخمة تسع لأربعة آلاف متدرب من قوات الشرطة، بها «12» وحدة سكنية عبارة عن عمارات من عدة طوابق لإيواء المتدربين، ومجمعات إدارية وتدريبية وقاعات ضخمة وفخمة مجهزة بأحدث التجهيزات الصوتية وآلات العرض، تستوعب أكبرها ألفي دارس، بينما توجد أصغر منها سعة خمسمائة وثلاثمائة دارس، ومكتبتين ورقية لكل صنوف المعرفة وأخرى الكترونية زودت بأحدث الحواسيب وخدمات الانترنت، بينما انتشرت في المساحة التي تبلغ حوالى مليوني متر مربع، الميادين، للتدريب البدني والعسكري وملاعب كرة القدم والسلة والطائرة، وميادين وساحات التخريج والجمع، وانتشرت الاستراحات والمخازن للمهمات والسلاح، ومسجد كبير لألف وخمسمائة مصلٍ، ومركز طبي ومحطات للمياه والصرف الصحي.. ودروة إلكترونية وللذخيرة الحية ومهبط للطائرات، ومزرعة للخضروات، بالإضافة إلى الطرق الداخلية التي تبلغ عدة كيلومترات وشبكات المياه والصرف الصحي، وزرنا بعدها بالطائرة معسكر الشهيد اللواء إبراهيم شمس الدين بالهدى بغرب أم درمان للتدريب الأساسي، وفيه ذات المنشآت ويسع لأربعة آلاف متدرب من قوات الشرطة، والبناء على طراز واحد أشبه ما يكون بجامعة متكاملة وبها سكن فندقي للضباط وصف الضباط.
ومن هناك بالطائرة إلى مجمع الفريق أول عوض خوجلي جنوب الخرطوم بعد مركز تدريب الاحتياطي المركزي بالدخينات، وهذا المركز مخصص لتدريب قوات الشرطة أثناء الخدمة في مختلف التخصصات «المرور، المباحث، الجوازات والسجل المدني، السجون والإصلاح، التأمين، الخ».. وبهذا المركز ذات المنشآت وبنفس الطراز والسعة، ومن هناك طرنا إلى كلية الشرطة والقانون ببتري على طريق الخرطوم ــ مدني، وزرنا المنشآت الإضافية الجديدة بالكلية خاصة مركز إعادة الصياغة الذي يستوعب ألفين من طلاب الكلية، وبه أقسام خاصة بطالبات الكلية، وزرنا أقسام الكلية الأخرى، وصلينا الظهر مع الطلاب والدارسين، واستعمنا إلى شروح عديدة من نائب عميد الكلية، وتحركنا بالسيارات إلى معهد تدريب الضباط وهو صرح عظيم غير مسبوق في تاريخ الشرطة السودانية حيث كان تدريب الضباط يتم خارج البلاد، وأُقيم هذا المعهد بشارع عبيد ختم، ويتكون من عدة أقسام تشمل الجانب الأكاديمي من مكاتب إدارية وقاعات ضخمة عبارة عن «16» قاعة بأحجام مختلفة مجهزة بأحدث الوسائل، ومبنى أنيق للإقامة وهو فندق متكامل يمكن أن تستضاف فيه البعثات والزوار من خارج البلاد، وبه ملاعب وأحواض سباحة وملاعب تنس وكرة قدم وسلة وصالات رياضية.
أما مقر الأدلة الجنائية فهو مكون من عدة مبانٍ بها الإدارة وأقسام الفيش والفحص الجنائي ومعامل الأدلة الجنائية المتطورة وفحص الحمض النووي، الأمر الذي يجعل الأدلة الجنائية تتطور بشكل مذهل في السودان.
وختمنا الزيارة بلقاء مطول مع الفريق أول شرطة هاشم عثمان الحسين بدار الشرطة، وقدم لنا شرحاً وافياً عن هذه المنشآت والمرافق الجديدة في إطار تحديث عمل الشرطة وترقية الأداء فيها، ولن يتم ذلك إلا بتأهيل رجل الشرطة وتدريبه بكفاءة عالية، والعمل على استقرار الفرد في مسكنه ومعاشه وحياته.. وقدم شرحاً مفصلاً عن الخطوات الجارية لتطوير قوات الشرطة من الاهتمام بالفرد وتوفير كل الإمكانات التي تؤهله لأداء مهامه والبيئة الجيدة التي يعيش فيها مع أسرته وأبنائه ومناخ العمل الذي يحفزه على تطوير قدراته لصالح المجتمع والدولة وحفظ الأمن العام.
وللحقيقة فقد قدم مدير عام الشرطة رؤية متكاملة تتسق مع ما شاهدناه في الجولة الطويلة، مما جعلنا نشعر بالاطمئنان إلى أن بلادنا تسير في الاتجاه الصحيح.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة