تحقيقات وتقارير

طبول الحرب تقرع على تخوم لبنان.. وبيروت تتمسك بالحياة

بينما تشتد التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بين حزب الله وإسرائيل، وتتصاعد التهديدات بالتصعيد العسكري دون قيود، يعيش اللبنانيون حياتهم اليومية كالمعتاد. في شوارع بيروت، يجتمع الناس في المقاهي والحانات، يتبادلون الحديث ويلتقون بأصدقائهم، بينما تملأ الأسواق بضائعها ويتسوق الناس بلا اكتراث لتحذيرات من احتمالية نشوب حرب واسعة بين الأطراف المتنازعة.

إيلي، مستشار مالي في الأربعينات من عمره، يعبّر عن استيائه من تكرار تلك التهديدات بالحرب، حيث يقول بسخرية: “كل عام يأتي تهديد باندلاع الحرب في الصيف”. ويضيف، “ما نشاهده في الحياة اليومية يختلف تماماً عما ينقله الإعلام العالمي، فالأخبار ترسم صورة للبنان كأنه في حالة حرب مستمرة”.

منذ الهجوم الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة والذي أدى إلى اندلاع حرب، يتبادل حزب الله وإسرائيل القصف عبر الحدود بشكل يومي تقريباً، وتصاعدت التوترات بينهما في الأيام الأخيرة بعد مقتل قيادي بارز من حزب الله بغارة إسرائيلية.

وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء، «المصادقة على الخطط العملياتية لهجوم على لبنان»، وتوعّد وزير الخارجية يسرائيل كاتس بالقضاء على حزب الله في حال اندلاع «حرب شاملة»، حذّر الأمين العام للحزب حسن نصر الله الأربعاء، من أن أي مكان في إسرائيل «لن يكون بمنأى» عن صواريخ حزبه في حال اندلاع حرب.

وأثارت التهديدات مخاوف من اندلاع مواجهة شاملة بين الطرفين، في وقت تعمل قوى إقليمية ودولية على رأسها الولايات المتحدة على الدفع باتجاه تسوية دبلوماسية للنزاع.

ليل السبت الأحد، كان شارع مار مخايل المعروف بمقاهيه، ينبض بالحياة مع تدفّق الرواد تباعاً والموسيقى التي تصدح من أنحائه، يتبادل الأصدقاء أطراف الحديث وكأن خطر الحرب محض خيال.

ورغم أن التهديدات بالحرب لا تغيب عن النقاشات في كل مكان، لكن الشعور بالخوف يبدو وكأنّه مؤجل.

ويقول إيلي: «هذا لبنان وهذه قصتنا،لا شيء يتغير، وقعت حرب تموز، تُذكر ولا تُعاد، وبقينا موجودين هنا» في إشارة إلى حرب مدمرة خاضها حزب الله وإسرائيل صيف 2006.

ويضيف «في كل الأزمات التي مرت، واظب الناس على السهر، من جائحة كوفيد إلى الأزمة الاقتصادية ثم انفجار (مرفأ) بيروت» المدمر صيف 2020 الذي فاقم انهياراً اقتصادياً ما زال يعصف بالبلاد منذ نحو خمس سنوات.

«حتى آخر نفس»

على بعد بضعة كيلومترات، اصطحب لبنانيون أطفالهم إلى مهرجان ترفيهي في أحد شوارع وسط بيروت، بدأ مساء السبت واستمر حتى وقت متأخر.

وإلى جانب عروض ترفيهية ومسرحية وألعاب للأطفال الذين تعالت قهقهاتهم، يعرض لبنانيون بضائع ومنتجات وألبسة، بينهم عبير عطا الله التي تقول للوكالة الفرنسية للأنباء: «رغم كل ما يحصل من تهويل بالحرب، نحن شعب نحب الحياة».

وتضيف «نشعر بالخوف في اللحظة التي يحدث فيها أمر ما، لكن طالما لم يحصل ذلك بعد، فإننا نحب الحياة حتى آخر نفس».

ورغم أن التصعيد الإسرائيلي المستمر منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر دفع 95 ألف لبناني إلى ترك منازلهم، خصوصاً من البلدات الحدودية مع إسرائيل، والتي تتعرض لقصف شبه يومي، إلا أن شبح الحرب لا يثني لبنانيين في مناطق أخرى عن مواصلة حياتهم بشكل اعتيادي وارتياد المطاعم والشواطئ والمهرجانات.

وتشرح ميرا مخلوف التي تبيع ألعاب الأطفال خلال مهرجانات محلية تنظم في العديد من المناطق «نعيش كل يوم بيومه، من المؤكد أن الناس تخاف، لكننا نتوكل على ربنا».

وتضيف «معروف أن اللبنانيين يحبون الأجواء الجميلة وتنظيم المهرجانات وأن تكون الإجازة الصيفية ممتعة»، مؤكدة أنها لا تنوي مغادرة لبنان في حال «اندلاع حرب» على نطاق واسع.

وفي حين صرفت مهرجانات كبرى يحفل بها لبنان كلّ صيف، النظر عن إقامة دوراتها هذه السنة بفعل الوضع المتوتر في الجنوب، اختار القائمون على مهرجانات أخرى المضي في برنامجها.

ويتوافد فنانون عرب إلى لبنان لإحياء حفلات تباعاً، آخرهم النجم المصري عمرو دياب الذي حضر حفله في بيروت منتصف الشهر الحالي أكثر من عشرين ألف شخص.

ورغم أن دولاً جدّدت تحذير رعاياها من السفر إلى لبنان، بينها الكويت، يستمر المغتربون في الوصول إلى لبنان لقضاء إجازاتهم.

وتقول نايلة حداد على هامش وجودها في المهرجان الترفيهي في وسط بيروت: «اعتدنا أن تسحب الدول رعاياها» لكن الناس «تواصل المجيء وكل أقاربنا قادمون من الخارج» لقضاء إجازاتهم.

وتضيف «لا أتخيل أن حرباً ستحدث، ونحن لسنا خائفين، وإلا ما كنا لنرى هذه الزحمة حولنا والناس تشارك في المهرجانات»، وتضيف بابتسامة «كل أسبوعين لدينا مهرجان في مكان مختلف».

صحيفة الخليج