بحيل مُختلفة، نشط الغرب الاستعماري في استهداف الدول النامية، وزهق كل بارقة أمل يمكن أن تنهض بتلك الدول، سواء كان بالعقوبات أو بالحصار أو بالحروب عبر وكلاء الداخل، كما هو الحال منذ العام 2019، وأبعد من ذلك، حين عملوا بدأب على عرقلة شركة زادنا العالمية التي كان الرئيس السابق عمر البشير يوليها المزيد من الاهتمام، وكان من المتوقع أن توفر (زادي١) لوحدها في العام 2020 ما لا يقل عن 4 مليار دولار سنوياً، في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني، دعك من بقية المشروعات، ولذلك تم التضييق على (زادنا) بعد ذلك، بغرض تصفيتها، وتم اعتقال أحد أبرز المؤسسين، وهو أحمد الشايقي، وأُبعد لاحقًا، ثم حُجبت عنها التمويلات، وأُهملت بالمرة، لتمرض وتموت، وفقدت مواردها الثابتة والمتحركة، حتى جاء الدكتور طه حسين، ليحفاظ على هذا المشروع القومي، ويضخ فيه الروح ويعيد هندسة الخيارات البديلة للتمويل، ثم ينطلق بها، ليس بعيداً عن الرؤية الاستراتيجية للمؤسسين، ولذلك سعى طه للتواصل مع الطاقم القديم، والاستئناس برؤاهم، حتى لا تكون ثمة قطيعة مع الماضي، مع الاحتفاظ برؤيته الخاصة للتطوير، لكنه حورب أيضًا، بأشكال مختلفة من قبل آل دقلو وحاضنتهم السياسية، وعندما لم يستسلم جاءت الحرب، وقد أطلق رصاصتها الأولى من أراد أن يدمر البلاد فعلياً، ويتخلص من الجيش الوطني، ثم يسيطر على مواردها لاحقًا، وهذا ما حدث بالفعل، إذ أن بندقية الميليشيا استهدفت المُنشآت والبنى التحتية، بالنهب والتخريب المُمنهج، وإجبار رجال الأعمال على الهروب بأموالهم بعيداً، حد أن جميع الشركات تقريبًا، سرحت كوادرها، ونقلت مقارها إلى دول أخرى، والكثير منها غير نشاطه في حدود تجميد الأموال في عقارات بالخليج ومصر وتركيا، أو تحركات تجارية محدودة، لتأمين مصاريف العائلة، لكن المفاجأة أن (زادنا) تداركت خطورة الأمر بسرعة، وتكاد تكون الشركة الوحيدة التي لم تسرّح كودارها خلال فترة الحرب، وهذا يعزز من فكرة الميزة التنافسية للشركة، لأن الكادر المُدّرب من أهم الموارد، وتسربه خسارة فادحة، يصعب تعويضها.
العمل الذي تقوم به زادنا من جعل ولاية نهر النيل عاصمة مصغرة لدولة مُنتجة، هى من فوائد الحرب القليلة، تفكيك قبضة المركز لصالح الأقاليم، باعتماد النموذج الفدرالي بدرجة أكبر، مع أحقية كل إقليم بالتمتع بثرواته وحقوقه السياسية، والتنسيق مع المركز في بعض القضايا السيادية فقط، دون أن تكون ثمة حاجة للهجرات نحو العاصمة مرة ثانية، ويمكن أن تعمل الموانئ على تطوير بورتسودان العاصمة الإدارية، وجياد ومشروع الجزيرة على مدني، كعاصمة أو مدينة تجارية، وتُعمم التجربة بذات النسق على كافة أرجاء السودان، ولنا تجارب عالمية مشابهة وناجحة، فالبرازيون مثلاً عندما فكروا في عاصمتهم الجديدة “برازيليا”، التي أنشئت من العدم خلال ألف يوم، بنوها علي بعد 1400 كم من العاصمة القديمة ريو دي جانيرو، كما حرصوا على أن تكون انشاءاتها ومبانيها الأكبر في كل شيء.
ولعل فكرة مطار عطبرة الدولي هى من بنات أفكار زادنا، وتحسب للدكتور طه حسين، سيما وأن ذلك المطار ذو سمة إنتاجية، ويمكن وصفه بمطار الصادر، وتركيز الجهود في كيفية التعامل مع الذهب، والاستفادة منه في بناء سودان المستقبل، ذلك المورد السيادي بالغ الأهمية، من تأمين ونقل وحصار للتهريب، والعمل على مصفاة للذهب يحتضنها المطار الجديد، الذي هو منشأة متكاملة، مزودة بكل ما هو محفز للإنتاج، كما تجلى في مذكرة التفاهم بين الموارد المعدنية وشركة زادنا العالمية لتخدم ذات الفكرة، مصفاة الذهب التي لا غنى عنها، وتمويل مشروعات استراتيجية عالية الجودة، منها مشروعات زادنا الأساسية.
إذاً من خلال تجربة الشراكات العالمية التي مضت فيها زادنا، أو عبر العمل على دراسة مشروع للحوم والألبان، داخل السودان، تحت إشراف الدكتور أحمد التجاني المنصوري المؤسس والرئيس التنفيذي لـ”شركة الروابي للألبان”، بتمويل وشراكة مع المغتربين، تستطيع زادنا أن تكون أحد أهم معاول النهضة السودانية، فهى اليد التي تبني وتعمر في ذات ميدان معركة الكرامة، وتستحق الدعم والمؤازرة، لأنها ملك لكل سوداني، ونحن بالضرورة، نحتاج المزيد من الأفكار، فاليابنيون بعد الحرب والدمار الذي لحق بهم، بسبب أمريكا، أطلقوا العديد من الشركات، منها مجموعات تجارية ضخمة تربط الصناعيين والبنوك والشركات التجارية من خلال الملكية المتبادلة للأسهم والعلاقات الحصرية طويلة الأمد، فاكتسب الشركات الفردية قوة واتصالات سمحت لها بتقويض المنافسين الأجانب، وكانت مهمتهم هى الحصول على حصة في السوق بدلاً من تجميع الأرباح قصيرة الأجل.
عزمي عبد الرازق