منى أبوزيد: كيف تصبح “طابور خامس” في أسبوع ..!

“لا تطلب الصحراء فهي بريئةٌ.. في السوق تُمتحن النَبالةُ والضِعة”.. الشاعر أحمد بخيت..!

يُقال والعهدة على بعض القائلين إن الواشي بمكان المخبأ الأخير للمناضل الثوري العظيم “آرنستو تشي جيفارا” كان راعى أغنام فقير. وبعد القبض عليه وإعدامه سأل أحدهم ذلك الراعى الفقير “لماذا وشيتَ برجل قضى جُلَّ حياته فى الدفاع عنك وعن حقوقك”؟. فأجابه قائلاً “كانت حروبه مع الجنود تُرَوِّع أغنامى”.. تخيل يا مؤمن..!

كل شيء يمكن التنبؤ به إلا طرائق التفكير المفضية إلى قبح سلوك بعض البشر الخطائين في ساعات النحس الأخلاقية والامتحانات الإلهية العسيرة..!

أرجو أن تتذكر كم اللؤم ومقدار الشؤم الذي تنطوي عليه إجابة ذلك الراعي كلما تعثرت ببعض الصفحات التي خصصها مواطنون شرفاء لفضح المتعاونات والمتعاونين مع المليشيا على مواقع التواصل الاجتماعي..!

قد يقول قائل كيف ولماذا يجرؤ أحدهم على أن يصبح طابوراً خامساً في حرب تستهدف ذات النسيج الاجتماعي الذي ينتمي إليه يا ترى؟. أعتقد أن الإجابة تحتاج إلى بعض السفسطة التي تنتمي بدورها إلى الفلسفة ما قبل السقراطية..!

بعض الإجابة – على كل حال – تكفلت بها ممثلة صربية اسمها “مارينا إبراموفيتش” من خلال تجربة فنية جريئة جداً وقاسية جداً قامت بها في سبعينيات القرن الماضي، وكان القصد منها قياس معدلات الخير والشر في سلوك الناس إذا ما أتيحت لهم الحرية كاملةً لأخذ القرارات دون أن يتم إخضاعهم لقانون بعينه أو شروط بعينها، “كما هي الحال في أوقات الحروب”..!

لمدة ست ساعاتٍ متواصلة بلا انقطاع ودون حراك وقفت “مارينا” بجانب طاولةً رصَّت فوقها سلاسل حديدية وسكاكين ومقص ووردة وأشياء أخرى. ومنحت الجمهور الفرصة كاملةً لكي يفعل بها ما يريد، مع وعدٍ قاطع بأن لا تأتي بأي ردة فعل، وأن لا تقوم باتخاذ أي إجراء قانوني في مواجهة أي شخص يشارك في ذلك العرض الغريب ..!

في البداية اكتفى الحضور بالتفرج على وقفتها التي تحاكي وقوف التماثيل، ولكن حينما تأكدوا من أنها لن تقوم بأي ردة فعل شرع بعضهم في لمسها. ثم أصبح البعض أكثر عدوانيه – بمرور الوقت – فمزقوا ملابسها وخربشوا بطنها بأشواك الورود، وبلغت الحال ببعضهم أن يتحرش بها. ثم قام أحدهم بوضع مسدس على جبينها قبل أن يتدخل القائمون على العرض بمنعه من قتلها..!

بعد انتهاء الساعات الست – التي كانت مقررة كفترة زمنية لتلك التجربة – تحركت “مارينا” من مكانها دون أن تحاول اتخاذ أي ردة فعل عدوانية في مواجهة الذين قاموا بإيذائها، بينما هَمَّ معظمهم بالفرار ظناً منهم أن هنالك قصاص..!

تلك التجربة أثبتت – باختصار – أن الأشخاص الذين تخالطهم كل يوم في حيك السكني أو في مقر عملك، فيبادلونك التحية ويلاقونك بأوسع الابتسامات – ويبدون لطفاء وطيبين طوال الوقت – هم في الحقيقة قادرون على ارتكاب أفعال شنيعة جداً إذا أتحيت لهم الفرصة لفعل ذلك، شريطة أن يتأكدوا من عدم خضوعهم لأي مسائلة قانونية، وعدم تعرضهم لردود أفعال مساوية لشرورهم في القوة ومعاكسة لها في الاتجاه ..!

لذا عوضاً عن رفع حواجب الدهشة علينا جميعاً – داخل الحدود وخارجها – أن نرفع درجات الحس الأمني ونسب الاستشعار في مواجهة الطابور الخامس، حتى يُطهر الله الأرض وما عليها!.

منى أبوزيد

Exit mobile version