قبل عطلة العيد و في الجزء رقم (6) توقفت عند عودتي إلى مقر إقامتي المؤقت في مدينة القضارف عاصمة ولاية القضارف التي هي إحدى ولايات الشرق و تحاددها من الشمال و الغرب ولايتي الخرطوم و الجزيرة و من الشرق ولاية كسلا و الحدود الأثيوبية و من الجنوب ولاية سنار .
تتكون الولاية من 12 محلية ، و أهم مدنها غير العاصمة القضارف هي : الشوك – الفاو – الحواتة – المفازة – القريشة – دوكة – باسندة و غيرها .
و تتميز القضارف بالإنتاج الزراعي و الحيواني الوفير ، و تشتهر بإنتاج الذرة و السمسم الأبيض (الحلاوة) و زهرة الشمس و القطن و هي الأكثر إنتاجا للذرة و السمسم في السودان ، و توجد بها أكبر صومعة في البلاد و المنطقة العربية و تعتبر الثانية أفريقيا ، أسست في العام 1967 و تبلغ سعتها التخزينية حوالي مليون جوال .
يوجد في الولاية أيضاً سدي أعالي نهر عطبرة و سيتيت و اللذان يعتبران من أكبر المشاريع التنموية في شرق السودان و قد بدأ العمل فيهما في 2010 و انتهى في 2016 ، و بالإضافة لإنتاج 350 ميقاواط كهرباء فإن السدين يوفران المياه لري حوالي مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة في مشروع حلفا الجديدة و مشروع نهر عطبرة .
و كنت قد صلت إلى القضارف عقب عيد الأضحى بدعوة كريمة من الأخ العزيز و الصديق على عبد اللطيف البدوي و من المربي الكبير و النقابي الضليع و الإداري الرياضي المحترم و صهري الأستاذ جعفر البدوي بعد خروجي من الخرطوم بسبب الحرب التي فقدت في بدايتها زوجتي أم كلثوم الأمين التي استشهدت إثر تعرض منزلنا لقصف مباشر من مليشيا الدعم السريع صبيحة فجر عيد الفطر المبارك ، و لقد وجدت منهما و من أسرتيهما الكريمتين أنا و أفراد أسرتي كرما فياضا و رعاية كريمة أنستنا مصابنا و معاناتنا ، و علي عبد اللطيف هو شقيق دفعتي و زميل السكن في سنتنا الأولى في الجامعة فيصل عبد اللطيف و بسبب علاقتي و صلتي بالأخ علي الممتدة فقد تعرفت على أفراد أسرته الكرام الأفاضل فما أن تذكر أحد أبناء عبد اللطيف البدوي إلا و ينهال عليهم و على والدهم رحمه الله المدح و الثناء و الذكر بجلائل الأعمال (أسأل الله أن يبارك فيهم و في ذرياتهم و أن ينعم عليهم برضاه و يديم عليهم نعمه ظاهرة و باطنة) ، و أيضاً لا أنسى ملاحقة الأخ العزيز إبن القضارف هشام محمود قاسم الذي كان يلح علي بضرورة الخروج من الخرطوم و الحضور إلى قضروف ود سعد .
أول ما فكرت فيه بعد حسن الضيافة و طيب المقام في القضارف هو البحث عن فرصة عمل لكسب العيش و بعد مشاورات و دراسة إخترت الزراعة و بمساعدة و عون كبير من الأخ علي عبد اللطيف أدركت الموسم الزراعي و أمضيت أيام جميلة متنقلا ما بين مدينة القضارف و موقع الزراعة (الخلا) بصحبة الأخ علي عبد اللطيف و مدير مكتبه التنفيذي الشاب الخلوق حذيفة و أحياناً يصحبنا حاضر البديهة و النكتة و فاكهة المجالس (دقيش) .
لم يكن الموسم الزراعي بالنسبة لي ناجحا لأسباب عديدة و لكني تعلمت و استفدت من التجربة للمستقبل إذا أمد الله في الآجال و هيأ الأسباب و بالمناسبة فأنا من أسرة مهنتها الزراعة و لي عدة تجارب بعضها ناجح و بعضها فاشل .
ولاية القضارف و بعض مدنها زرتها عدة مرات و لكنها كانت زيارات خاطفة .
الخريف و المناخ فيها و طبيعة الأرض يشابه تماماً طبيعة موطني الأصلي ولاية جنوب كردفان .
تتميز القضارف بمصارفها الطبيعية التي لم تتأثر كثيراً بتدخل و تعديات الإنسان .
في القضارف أصابتني و أفراد أسرتني واحدا تلو الآخر حمى الضنك التي اجتاحت المدينة و أدت إلى وفاة بضع مئات و لكن بحمد الله تعافينا منها .
و أنا أتجول في شوارع و أسواق القضارف إلا و يستوقفني في كل ركن أحد الأشخاص ليسلم علي و يعزمني على فنجان جبنة (التي أحببتها و أدمنتها) عندهم ، و فيها تعرفت على الأخ الكريم عبد العظيم سعد بري و أسرته الكريمة و على الشاب الطموح المتدين عثمان بابكر صاحب مركز المدينة و صديقه عمر موظف المعاشات الخلوق الذي ما وقف أمامه صاحب حاجة إلا و قضاها له و فيها تعرفت على الريس إبراهيم الطاهر نائب المدير العام للبنك السعودي السوداني السابق الذي توفي قبل أسابيع قليلة عليه الرحمة .
القضارف آوت أكثر من مائتي ألف نسمة من الذين فروا من نار الحرب في الخرطوم حسب الإحصائيات الرسمية و بالتأكيد فإن العدد أكثر من ذلك و زاد بنسبة كبيرة بعد دخول المليشيا إلى ولاية الجزيرة .
القضارف مدينة جميلة و أهلها أجمل و هم يحبونها و لا يستبدلونها بغيرها .
اللهم احفظ القضارف و أهلها و بارك في مدها و صاعها و زرعها و ضرعها .
أواصل بإذن الله
#كتابات_حاج_ماجد_سوار
15 أبريل 2024