يقول أولي هانسن، المحلل في ساكسو بنك، إن سلوك الذهب اللافت من دون وجود محفزات واضحة لهذه التحركات، يستدعي اهتماماً كبيراً، لأنه يُشير إلى استمرار قوة الطلب الأساسي على المعدن الأصفر.
هانسن يرى أن ارتفاع أسعار الذهب لم يأتِ بسبب خفض أسعار الفائدة، الذي كان من المتوقع أن يؤدي إلى ضعف الدولار وزيادة الطلب على صناديق الاستثمار في البورصة. بدلاً من ذلك، ارتفع سعر الذهب بفضل صناديق التحوط، التي استفادت من الزخم القوي الذي أحدثه الطلب المتزايد على المعدن الأصفر بسبب التوترات الجيوسياسية والنمو الاقتصادي المدعوم بالديون.
يشير هانسن إلى أن الارتفاع القوي الذي شهده سعر الذهب لا يواجه تحديات كبيرة، حيث لم يتجاوز التصحيح الذي حدث في منتصف مارس/آذار 50 دولارًا، مما يدل على قوة الزخم.
من المتوقع أن يشهد الذهب فترة استقرار على المدى القصير، وعندما يتم خفض أسعار الفائدة كما يتوقع، فإن ذلك قد يؤدي إلى تحسن آفاق الدولار والعائد. يتوقع هانسن أن يستمر سعر الذهب في الارتفاع ليصل إلى 2500 دولار.
في المقابل، يسلط «ساكسو بنك» الضوء على أكبر التهديدات للأسعار، وهي انخفاض غير محتمل في حدة التوتر الجيوسياسي، وتوقف البنوك المركزية عن موجة شراء الذهب لديها، بينما تتكيف مع الأسعار المرتفعة، وكذلك قيام صناديق التحوط بتخفيض جزء من حيازاتها الكبيرة من العقود الآجلة للذهب، والتي بلغت تقريباً 300 طن الشهر الماضي.
وباستخدام مستويات «فيبوناتشي» دليلاً، يرى هانسن أن أي تصحيح محتمل إلى 2245 دولاراً، أو حتى 2225 دولاراً، قد لا يكون كافياً لزعزعة المراكز الطويلة. حيث من الممكن، بعد فترة من الاستقرار المتوقع، أن يؤدي احتمال خفض أسعار الفائدة، واستئناف مشتريات البنوك المركزية، إلى ارتفاع سعر الذهب إلى 2500 دولار، في وقت لاحق من هذا العام.
وأبقى هانسن مستوى الدعم الرئيسي للذهب عند 2075 دولاراً.
التوترات الجيوسياسية
تعتقد رانيا جول، محلل أسواق لدى (XS.com)، أن ارتفاعات الذهب في الأسعار الفورية فوق 2350 دولاراً، يأتي على الرغم من تخفيف التوترات الجيوسياسية في غزة، وانخفاض التوقعات على خفض سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي في يونيو/ حزيران، ما يعني أنه من الأرجح أن يواصل سعر الذهب ارتفاعه القياسي بشكل أساسي، بسبب تقارير عن مشتريات قوية محتملة منه من قبل البنوك المركزية العالمية.
وتقول جول: «من اللافت أن سعر الذهب انخفض إلى ما يقرب من 2310 دولارات في بداية تعاملات الأسبوع، قبل أن يعود للارتفاع».
وتضيف: «لقد كانت التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي، سيبدأ في النهاية بخفض أسعار الفائدة، عام 2024، إلى جانب حركة الشراء من البنك المركزي الصيني، هي المحرك الرئيسي لارتفاع المعدن الثمين، خلال الأسبوعين الماضيين. لكن الظروف المبالغ بها للغاية على الرسم البياني اليومي، قد تمنع ارتفاع الأسعار لمستويات جديدة، وسط تخفيف التوترات الجيوسياسية ونغمة المخاطرة الإيجابية، والتي تميل للضغط سلباً على الذهب كملاذ آمن».
توظيف متفائل
كما أشارت تفاصيل التوظيف الشهرية المتفائلة في الولايات المتحدة، والتي صدرت يوم الجمعة الماضي، إلى أن الفيدرالي قد يؤجل خفض أسعار الفائدة، ويجبر المستثمرين على خفض توقعاتهم من ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة، عام 2024 إلى اثنين. وتحافظ هذه التوقعات على ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وتعمل بمثابة قوة للدولار، ومن وجهة نظر رانيا جول «تأتي بدورها لتسهم بشكل أكبر في الحد من الاتجاه الصعودي لسعر الذهب، الذي لا يدر عائداً. فقد يفضل المستثمرون أيضاً التحرك على الهامش، قبيل صدور أرقام تضخم أسعار المستهلكين الأمريكية لشهر مارس هذا الأسبوع ومحضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأربعاء المقبل».
وترى رانيا جول، أن «قوة شرائية من قبل البنك المركزي الصيني، إلى جانب التوقعات بأن إجراءات أسعار الفائدة الأمريكية غير واضحة، أدت إلى دفع سعر الذهب إلى مستوى قياسي جديد في اليوم الأول من الأسبوع الجديد».
تشير التقارير إلى أن “معنويات المخاطرة العالمية قد حصلت على دفعة قوية” بعد سحب إسرائيل للمزيد من جنودها من جنوب غزة والتزامها بإجراء محادثات جديدة حول وقف محتمل لإطلاق النار، مما أدى إلى تخفيف التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يعزز هذا التطور الدولار ويقلل من ارتفاع أسعار السلع والذهب على المدى المتوسط.
ينتظر المتداولون والمستثمرون بفارغ الصبر صدور بيانات التضخم الاستهلاكي الأمريكي لشهر مارس، بالإضافة إلى محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يوم الأربعاء، للحصول على إشارات أكثر وضوحا حول مسار خفض سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي. من المتوقع أن يحدد هذا الأسبوع اتجاهات طويلة المدى وقد يكون مفترق طرق هاما لأداء الأسواق.
البنوك المركزية
ويبقى الشائع أن مكاسب الذهب تأتي مدعومة بالتوترات الجيوسياسية وتوقعات خفض معدلات الفائدة، لكن محللين أشاروا إلى أن المشتريات القوية من جانب البنوك المركزية حول العالم كان لها أثر ملحوظ في ارتفاع المعدن.
وفي فبراير/ شباط الماضي، ارتفعت حيازة البنوك المركزية العالمية من الذهب بمقدار 19 طناً، لتواصل صافي المشتريات الموجب من المعدن للشهر التاسع على التوالي. وبلغ الطلب على الذهب من جانب هذه البنوك نحو 1037.4 طن، عام 2023، ما يعد أقل قليلاً من المستوى القياسي المسجل في 2022 عند 1081.9 طن.
وكانت هذه البنوك مشترياً صافياً للذهب، على أساس سنوي منذ عام 2010، حيث راكمت أكثر من 7800 طن، خلال تلك الفترة، بينما جاء أكثر من 25% من هذه الكمية في العامين الماضيين.
ويرى بول وونج، استراتيجي السوق في «سبروت أسيت مانجمنت»، أن البنوك المركزية كانت بين العوامل التي أسهمت في رفع أسعار الذهب. كذلك، يتوقع المحلل المستقل روس نورمان أن تستمر عمليات الشراء القوية من جانب هذه البنوك، لتظل أعلى 1000 طن سنوياً. وأشار إلى سعي بعض الدول لتقليص الاعتماد على الدولار، مع تصاعد القلق بشأن استخدام الولايات المتحدة لعملتها سلاحاً، ما دعم اتجاه دول إلى تحويل احتياطياتها إلى الذهب. ويبدو أن المتداولين يحاولون استباق مشتريات البنوك المركزية الضخمة المتوقعة في وقت لاحق من هذا العام.
الكاكاو مقياساً
قالت “نيكي شيلز”، رئيسة استراتيجية المعادن في مصفاة الذهب السويسرية “إم كيه إس”، إن فرص تكرار المكاسب القوية التي شهدها سوق الكاكاو مؤخرًا في حالة الذهب تقترب من الصفر. بينما كان صعود أسعار الكاكاو يُحفَّز بنقص المعروض، فإن الذهب يحظى بحماية نسبية بفضل مخزونات كبيرة تمتلكها الأفراد والبنوك المركزية، التي تمثل حوالي خُمس مخزون الذهب الإجمالي المستخرج. وعلى الرغم من عدم توقع ارتفاع حاد في الأسعار، يتوقع المحللون أن يُختبر الذهب مستويات قياسية جديدة مع بدء خفض الفائدة، مما يُشجع على زيادة الطلب من قبل المستثمرين المحتفظين حاليًا. وفيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية، تتزايد الأصوات التي تتوقع استمرار ارتفاع أسعار الذهب بسبب العوامل نفسها التي ساهمت في الارتفاع الحالي، وفقًا لبنك “يو بي إس”، حيث لا تزال توقعات انخفاض معدلات الفائدة الحقيقية تُعتبر عاملاً رئيسيًا في الدعم المستقبلي لأسعار الذهب.
ولم تستبعد مؤسسة «روزنبرغ ريسيرش» وصول سعر الذهب إلى 3000 دولار للأوقية، خلال الفترة المقبلة، ولكنها تعتقد أن وتيرة ارتفاع أسعار الذهب ستتوقف على سيناريوهات أداء الاقتصاد الأمريكي، وما إذا كان سينجح في تفادي الركود، إضافة إلى تطور التوترات الجيوسياسية.
لكن على الجانب الآخر، لا يعتقد بعض المحللين أن الذهب قادر على تحقيق مكاسب كبيرة هذا العام، مقارنة بسلع أخرى مثل الكاكاو، التي تضاعفت منذ بداية عام 2024، وتجاوزت 10 آلاف دولار للمرة الأولى بفعل ضعف المحصول في دول مثل ساحل العاج وغانا.
صحيفة الخليج