من عظات ديسمبر والتي تعلمناها بالتجربة الصعبة أن الأمن الوطني والاستقرار أولوية قصوى وهو مقدم الشعارات اللبرالية عن الحرية.
تظل الحرية قيمة عظيمة؛ عظيمة إلى الحد الذي يمكن أن يضحي فيها المرء بحياته في لحظة سمو روحي، ولكن ليس إلى الحد الذي يضحي فيه شعب بدولة كاملة. التضحية الفردية من أجل قيمة نبيلة أمر متعلق بالفرد، وببحثه عن المعنى في الحياة، ولكن التضحية بدولة وشعب من أجل توق ذاتي للحرية هو ضرب من الجنون.
فشعار الحرية أو الموت قد يصلح مع الفرد ولكن ليس لدولة ولشعب كامل. لأن ضياع الدولة هو المعنى الحقيقي لفقدان الحرية.
ما حدث بعد ثورة ديسمبر، على الرغم من المفترض أنها ثورة شعب، أي تعبير عن إرادة، هو أن الشعب فقد بها إرادته وفقدت الدولة سيادتها. في ظل حكومة الثورة أصبحنا تحت وصاية موظف أممي اسمه فولكر يتدخل باسم الثورة والمدنية في أمر الدولة والحكومة من ومن يشارك ومن لا يشارك، وكذلك يتدخل السفراء في تحديد مصير الشعب السوداني إلى درجة تكوين التحالفات السياسية وتحديد من يجب أن يقود البلد من وكلاءهم في الداخل ومن حملة الجوازات الأجنبية، وإلى درجة أن يخرج من يفترض أنه مسئول سيادي ليصرح بأن السفارات هي التي تسيرنا!
ولا ننسى جعفر سفارات وهتاف قوى الحرية التغيير فولكر فولكر فولكر وكأنه نجم كرة قدم ووو.
وما يزال وإلى الآن المدخل الأساسي للتدخلات الخارجية هو ما يسمى بقوى الثورة؛ والذريعة هي دعم تطلع الشعب للحرية وللديمقراطية. قوى الثورة أصبحت تراهن على الخارج وتلوذ بالخارج وتستقوي به على شعبها وعلى ما يفترض أنه وطنها. وعبارة قوى الثورة والقوى المدنية أصبحت لا تحيل إلى الداخل، إلى الشعب، وإنما إلى الخارج. إلى هذه القوى التي ترتبط بالخارج وتمثله وتعبر عنه لا عن الشعب.
هذا الكلام كله من ناحية الوصف للوقائع كما هي. أما من ناحية تحليل يستند إلى فرضيات وشواهد وهو بطبيعة الحال إحتمالي وتقريبي ومحاولة لتفسير ما حدث، فإن ثورة ديسمبر تندرج ضمن نموذج الثورات المصنوعة بواسطة أيادي خارجية أموال خارجية وعبر وكلاء وعملاء وكثير من الحمقى والمغفلين وهدفها الأساسي هو ضرب الدولة وإضعافها تمهيدا للسيطرة والتحكم بها وبشعبها، وعليه فمن الطبيعي أن تكون مآلاتها ما وصلنا إليه.
حليم عباس