واهمٌ من ظن أن حرية الإعلام في حكومة الثورة كانت أفضل من عهد البشير، ففي عهدهم أغلقوا الصحف بتاتشرات الدعم السريع – حاموا الحريات حينها وجالبوا الديمقراطية الآن – كما أنهم أتوا بقرارٍ لم يسبقه عليهم أحدٌ من العالمين، بأن أغلقوا 32 موقعاً إخبارياً إلكترونياً عبر الهيئة القومية للاتصالات لظنهم أن المواقع لا تقف مع حكومتهم.
وواهمٌ من ظن أنّ حرية الإعلام في عهد البرهان أفضل ممن سبقوه، فرغم ما أعرفه عنه وعنهم، إذ أنه فيما يتعلق بموضوع الإعلام فقط، رحب الصدر، لا يضيق ذرعاً بقناةٍ أو موقع أو صحفي مهما بالغ في انتقاد شخصه، لكنها السلطة، لا تعمي الأبصار، إنما تعمي القلوب التي في الصدور.
منذ اليوم الأول للحرب كانت العربية والحدث حاضرتين في تغطيتهما ميدانياً وسياسياً وإنسانياً، ومع بدء التغطية انتظمت الحملات الداعية لإغلاق القناتين دون علمٍ أو هدىً أو كتاب منير.
انتهاكات الدعم السريع العديدة، وبأشكالها المختلفة نشرت على العربية والحدث قبل أي قناة أخرى، بل إن كل ما وثق من قتل وتنكيل وسرقة واقتحام للمنازل من قبل عناصره، كان حاضراً على الشاشتين وحتى ما لم يوثق صورةً وتأكدنا منه، وثق وبث كتابياً وخبرياً.
إن حوادث الاغتصاب والارتزاق وغيرها وجدت مكاناً مستحقاً في التغطية، وواهمٌ من ظن أنّ القصد وراء ذلك هو الوقوف إلى جانب الجيش، لا أبداً، كان وظل القصد هو إظهار الحق ولا شئٌ غيره.
لذا كانت تجاوزات الجيش أيضاً حاضرة لم يتم غض الطرف عنها، فقصف طيرانه لمواقع وسقوط مدنيين عزل سواءً في دارفور وغيرها من المناطق كان حاضراً أيضاً.
وزارة الإعلام التي تبعثرت محتوياتها واحتلت مكاتبها الدعم السريع، منذ أبريل 2023، لا تملك إحصائية بمن جدد أو لم يجدد ترخيصه، فقد زارني وتواصل معي زملاء القنوات والوكالات العالمية، ومعظمهم لم يجدد ترخيص عمله منذ 2022 ومازالوا يعملون في السودان، ولحسن حظنا أننا جددنا ترخيص العمل في مارس 2023، وحينما أردنا معرفة إن كانت إدارة الإعلام الخارجي – المعنية بالتصاريح – تعمل والتي تقف عليها الإنسانة النبيلة المتميزة سمية الهادي، عرفنا أن الإدارة منذ الحرب لا تعمل ولم تصدر أو تجدد تصريحاً لأي مكتب.
في الوقت الذي يتمدد أحدهم في سريره ويكتب “طرد مراسلي العربية”، لا يعلم أن من يطالب بطردهم يستيقظون يومياً تحت القصف بتحديات جديدة، يتجاوزونها من أجل اطلاع المتابعين من موقع الحدث ما الذي يدور ويحدث.
عليه، تجاوز انقطاع الكهرباء بتوفير المولد، ثم البحث عن الجازولين، وبعد نجاح الرحلة، يتعطل المولد، لأن الجاز “مخلوط” وأدى لأعطاب في المولد، ثم تنقطع المياه وعليه البحث عما يسد قليل من حاجته، ثم نفكر جميعاً في توفير الطاقة الشمسية للمكتب، لكن ماذا نفعل؟ هل نشتري؟ إذ أن معظمها مسروق، أحلالٌ هذا أم حرام؟ إن فكّرنا في إرساله من الخارج كيف يصل؟ الأشياء تسرق من جديد.! عليه أن يتناسى انقطاع الاتصال والإنترنت وتوقف الخدمات، عليه احتمال المرض والرهق والوحدة والعزلة والابتعاد عن الأهل والأصحاب فقط من أجل البحث عن معلومة صادقة يرسلها ويقولها للمشاهد.
لكن هذا لا يكفي، عليه أيضاً احتمال التصنيفات والإساءات المتواصلة على وسائل التواصل الاجتماعي، عليه، أيضاً احتمال الظلم والقهر وديكتاتورية السلطات ومتخذي القرار، عليه احتمال ابتزاز مَن يحمل البندقية ظالماً ليسمح له بالتحرك بضعة أمتار..
ومع ذلك لن نتجاوز مطلقاً أن هناك أخطاءً تحريرية خلال عام من الحرب وقعت، لكنها لم تكن مقصودة وتم تصويبها أو الاعتذار عنها.
فمن يعمل على ملف السودان في القناة، ليس بضعة مراسلين أو أفراد، إنما مئات الصحفيين.
إن قرار إغلاق القناة هو قرارٌ ظالم و”سياسي” من أعلى جهة في الدولة، ولا علاقة له بالمهنية والمصداقية، لكننا نأمل في مراجعته.
لينا يعقوب