أعلنت السلطات السودانية، أول أمس إيقاف عمل قنوات إماراتية وسعودية في البلاد على أساس “عدم التزامها بالمهنية والشفافية”، وذلك في وقت تشهد فيه العلاقات بين حكومة السودان والإمارات توترات شديدة على خلفية مزاعم دعم بشأن دعم الدولة الخليجية قوات الدعم السريع، في حين تسود علاقات هادئة بين الرياض والخرطوم.
وأصدرت وزارة الثقافة والإعلام السودانية، قرارا يقضي بإيقاف قنوات “العربية والحدث وسكاي نيوز عربية في السودان لعدم التزامها بالمهنية المطلوبة والشفافية وعدم تجديد تراخيصها”.
لكن وفق تأكيدات مقيمين في السودان لا يزال بإمكانهم متابعة بث تلك القنوات التلفزيونية إلى الآن، ما يوضح أن المشكلة سوف تتعلق بعمل تلك القنوات على الأرض، وهو أمر يواجه صعوبات بالأساس بسبب المعارك الدائرة منذ نحو عام بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
جاء القرار في ظل توترات بين الإمارات، والحكومة السودانية التي تتهم أبو ظبي بمساعدة قوات الدعم السريع، إذ قدمت حكومة السودان قبل أيام شكوى رسمية في مجلس الأمن ضد الإمارات تتهمها بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد ومد الدعم السريع بـ”مختلف أشكال الدعم السياسي والإعلامي والدبلوماسي والمالي، إلى جانب الإمداد بالسلاح والعتاد وجلب المرتزقة من شتى الدول”.
وطالما نفت الإمارات دعم أي من أطراف النزاع ضد الآخر، وأشارت إلى بذلها جهودا سياسية ودبلوماسية لوقف التصعيد في السودان.
كواليس القرار
أشار بيان وزارة الإعلام السودانية إلى أن سبب تعليق عمل القنوات الثلاث هو أنها تخالف المهنية. ولم ترد الوزارة على طلب من موقع “الحرة” لتوضيح ماهية التقارير التي قادت الوزارة إلى الحكم بعدم المهنية والشفافية، لكن لم نتلق ردا حتى كتابة التقرير.
ويشير وزير الإعلام السوداني الأسبق، حسن إسماعيل، إلى أن “قناة سكاي نيوز قامت بتلفيق تقرير يتحدث عن وجود داعش في السودان، بجانب تقارير أخرى افتقرت إلى المهنية، واتسمت بالتحيز لصالح مليشيا الدعم السريع، مما جعلها أمام طائلة القرار الحكومي”.
وقال إسماعيل لموقع “الحرة” إن “سكاي نيوز تمثل الذراع الإعلامي لمليشا الدعم السريع، وكثير من تقاريرها تطبخ في مطابخ المخابرات الإماراتية، بهدف تحقيق أجندة مساندة المليشيا”.
وشدد الوزير السابق على “أهمية تفعيل دور الإعلام السوداني الحكومي، لتفادي ما أسماها “السموم الإعلامية والتناول المنحرف لبعض القنوات الإخبارية”.
وأوضح أحد الصحفيين العاملين بقناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية، والذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن مكتب السودان وصله بالفعل بيان التعليق وهو نفسه الذي نشرته وكالة الأنباء السودانية (سونا).
وأضاف في حديثه لموقع “الحرة”: “للأسف لن نعمل في السودان إلا بعد تراجع الحكومة عن القرار”، مشيرا إلى أن القرار يعني عدم نشر أي تقارير أو بث مباشر أو أي وجود للقناة داخل السودان.
وأكدت مديرة مكاتب قناتي العربية والحدث (السعوديتين) في السودان، لينا يعقوب، في تصريحات لموقع “الحرة”، أن مؤسستها تفاجأت “بخطاب مسرب على وسائل التواصل الاجتماعي لوزارة الإعلام يحمل قرارا بإيقاف عمل قناتي العربية والحدث بحجة عدم تجديد الترخيص، وعدم انتهاج المهنية والشفافية، وهو الخطاب الذي لم يُسلم لنا حتى اللحظة”.
وأضافت: “هذه مسببات واهية، فالمكتب جدد ترخيصه في مارس 2023، وبعد اندلاع الحرب بشهر لم يجدد أي مكتب ترخيصه لعدم عمل إدارة الإعلام الخارجي المعنية بإصدار التصاديق، كما أن وزارة الإعلام لم تحدد مواقع عدم المهنية التي اتخذتها القناة خلال تغطيتها للأحداث”.
وبعد إعلان تعليق البث، دانت نقابة الصحفيين السودانية القرار واعتبرت أنه “منحى خطير… وخرق واضح لحرية التعبير والصحافة والإعلام وحرمة المؤسسات الصحفية والإعلامية”.
وأشار بيان النقابة الصادر الثلاثاء، إلى أن “إغلاق القنوات الفضائية والتضييق على المشتغلين بالمهنة، من شأنه إسكات صوت الإعلام المهني، كما يفتح الباب أمام تفشي الشائعات وخطاب الكراهية”.
من جانبها واصلت مديرة مكاتب قناة العربية في السودان، حديثها للحرة، وأعلنت أنه رغم عدم تسلم القرار بشكل رسمي إلى الآن “قررنا التوقف عن العمل في تغطيتنا الميدانية”، موضحة “لدينا 4 مكاتب، في الخرطوم وأم درمان ودارفور وبورتسودان”.
ويشير إسماعيل إلى أن “قرار إيقاف قناتي العربية والحدث شابه سوء تقدير من السلطات السودانية، لأن أداء القناتين فيه قدر كبير من المهنية والتوزان، وإن تخللته بعض الأخطاء”.
واستبعد أن يؤثر القرار على علاقة السودان والسعودية، التي تقود وساطة لإيقاف الحرب من خلال مفاوضات منبر جدة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأضاف “لا اتوقع أن يترتب على القرار أي تبعات سالبة في علاقة الخرطوم والرياض، كما لن يؤثر على وساطة السعودية الساعية لإنهاء الحرب”.
وأشار إلى أن “القرار ليس ضد السعودية وإنما ضد مؤسسة إعلامية تابعة لها، كما أنه ضد قناة سكاي نيوز وليس ضد الإمارات، بحسبان أن السودان يخوض معركة دبلوماسية منفصلة في مواجهة أبوظبي من خلال شكوى رسمية دفع بها لمجلس الأمن بخصوص دعمها لمليشيا الدعم السريع”.
تقرير داعش
أشار الصحفي في سكاي نيوز عربية، في حديثه لـ”الحرة” إلى “مشادات” خلال الفترة الأخيرة بين الحكومة والقناة خلال الأيام الأخيرة حول أحد التقارير، والذي جعل وزارة الخارجية السودانية تصدر بيانا بهذا الشأن.
كانت قناة “سكاي نيوز عربية” نشرت تقريرا حول ما وصفته “بتورط تنظيم داعش في الحرب الأهلية السودانية”، لتعلق الخارجية السودانية في بيان نشرته وكالة السودان للأنباء (سونا)، جاء فيه: “أعادت قناة سكاي نيوز عربية الإماراتية ليلة 29 مارس 2024 بث فيديو لقناة يورو نيوز عام 2016 حول هجوم تنظيم الشباب بالصومال على مطار مقديشو، وزعمت أنه لعناصر من داعش يقاتلون إلى جانب القوات المسلحة السودانية ضد المليشيا الإرهابية.”
وتابع البيان: “لا يحتاج نهج القناة المذكورة في تغطية أخبار السودان والذي يفتقد لأدني أسس المهنية والموضوعية إلى بيان. غير أن الانحدار لدرك التزوير المكشوف أمر لا سابقة له، ولا بد من التوقف عنده”.
وردت القناة، الاثنين، بالقول إنها أجرت مراجعة للتقرير الذي تطرقت له الخارجية السودانية، وأكدت أنها تتمسك بالتقرير وأنها استقت معلوماتها من مصادر موثوقة.
لكنها عادت وأكدت أنه بعد المراجعة أيضا تبين “وجود خطأ مونتاج تمثل في استخدام لقطات فيديو أرشيفية لا تتجاوز ثواني معدودة من تقرير بطول أربع دقائق عن تنظيم داعش جاءت في غير محلها”، مضيفة “نؤكد أن الخطأ غير المقصود لا يؤثر على الأساس الواقعي والصلب لتقريرنا”.
بدوره، يرى المحلل السياسي السوداني، عثمان المرضي، أن “اللجوء إلى قرارات إغلاق المؤسسات الإعلامية، مهما كان أداؤها، لن يغير في واقع تناولها للأحداث، وسيزيدها تطرفا، إن كانت فعلا غير محايدة ومنحازة”.
وقال المرضي لموقع “الحرة”، إن “الأفضل للسلطات السودانية أن تعمل على تعزيز وتقوية المؤسسات الإعلامية الرسمية، بدلا من اللجوء إلى الخيار السهل المتمثل في تكميم الأفواه ومصادرة الحريات، لأن غياب الإعلام الرسمي عن الفضاء الإعلامي يجعل المجال فسيحا لمنصات إعلامية أخرى”.
ويختلف المحلل السياسي مع وزير الإعلام السوداني الأسبق، ويشير إلى أن قرار إيقاف قنوات سكاي نيوز والعربية والحدث، ينطلق من أسباب ومواقف سياسية وليست مهنية”، مشيرا إلى أن “الحكومة السودانية تصنف الإمارات كحليف رئيسي لقوات الدعم السريع، وهذا التصنيف سبب صدور القرار”.
وكان المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيريلو، أعلن في 26 مارس الماضي أن الولايات المتحدة تتطلع إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية في 18 أبريل المقبل، وذلك في إطار سعيها إلى حل الصراع الذي أدى إلى نزوح ملايين وتسبب في أكبر أزمة إنسانية في العالم.
وأضاف بيريلو أن “واشنطن أوضحت صراحة، أن المحادثات بين الأطراف المتحاربة، ينبغي أن تكون شاملة، وأن تضم الإمارات ومصر والهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد) والاتحاد الأفريقي”.
وسواء أجريت المفاوضات في موعدها أم لا، ومع عدم وضوح موقف أطراف الحرب من المشاركة، قال بيريلو إن “من الملائم استئناف المحادثات بعد شهر رمضان وأيضا مؤتمر المانحين في باريس يوم 15 أبريل”.
وحينها، استبعد مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق ياسر العطا، إجراء مفاوضات أو هدنة مع قوات الدعم السريع.
ونشب القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي مع انفجار توترات كانت تعتمل منذ فترة طويلة.
وقادت السعودية والولايات المتحدة محادثات في جدة العام الماضي في محاولة التوصل إلى هدنة لكنها لم تكلل بالنجاح.
وتمخض الصراع عن أكبر أزمة نزوح في العالم، ودفع قطاعات من السكان البالغ عددهم 49 مليون نسمة إلى شفا المجاعة، وفجّر موجات من القتل والعنف الجنسي المدفوع بأسباب عرقية في إقليم دارفور بغرب البلاد.
الحرة