بعد اتهامات لعناصر النظام السابق بمحاولة السيطرة على قرار المؤسسة العسكرية، دافع ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، عن المقاومة الشعبية، وشدد على أنه “لا يوجد ما يمنع انخراط أعضاء حزب الرئيس السابق عمر البشير في العمليات العسكرية دعما للجيش”.
وجاءت تصريحات العطا بعد أيام من انتقادات وجهها نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي، إلى المقاومة الشعبية، مشيرا إلى أنها “يمكن أن تتحول إلى أكبر خطر على السودان، إذا لم يصدر قانون ينظم عملها، ويضبط توزيع السلاح على المتطوعين”.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، دعا في يناير الماضي “كل من يستطيع حمل السلاح إلى الانضمام لحماية البلاد من قوات الدعم السريع”، مما مهد الطريق لفتح معسكرات تدريب الشباب تحت اسم “المقاومة الشعبية”.
وقال العطا، الذي يشرف على العمليات العسكرية في أم درمان، إن “وجود عناصر النظام السابق ضمن صفوف المقاومة الشعبية، مثل وجود باقي عناصر التنظيمات السياسية الأخرى”، ما فسره مختصون بأنه “رد على نائب القائد العام للجيش، الذي حذر من سيطرة “سياسيين” على معسكرات المقاومة الشعبية”.
“خلافات في المواقف”
يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، عز الدين المنصور، أن “حديث العطا يدلل على وجود خلافات داخل القيادة العليا للجيش، ما قد ينذر بتداعيات على وحدة القرار العسكري”.
وقال المنصور لموقع “الحرة” إن “الخلافات تدور حول أمرين، أحدهما متعلق بإدارة المعارك والعمليات العسكرية، والآخر متصل بالمسار السلمي والمفاوضات مع قوات الدعم السريع”.
وأشار إلى أن “قادة بارزين في الجيش يرون أن المرحلة الحالية تتطلب أن يقوم الجيش بالدفاع عن مقراته، وخاصة ذات الأهمية الوطنية والعسكرية، لأن سقوطها في يد الدعم السريع، ربما يؤدي إلى سقوط سيادة البلاد، بينما يتمسك العطا وآخرون بأن يتحول الجيش للهجوم بدلا عن الدفاع”.
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن “هذا التبيان في الرؤى أدى لصدور قرار من قيادة الجيش العليا بوضع عدد من الضباط الموجدين في أم درمان في الحبس العسكري، لأنهم نفذوا عمليات هجومية على الدعم السريع دون قرار من القيادة العليا”.
وأضاف قائلا “دعاة التمسك بالخطط الدفاعية يرون أن الهجوم ربما يستنزف قدرات الجيش، بخاصة أنه يعاني من مشكلات كبيرة وبائنة في أعداد الجنود المشاة، بخلاف الدعم السريع التي كانت تمثل وحدة المشاة داخل الجيش، قبل اندلاع الحرب”.
وتفجر القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد أيام من خلافات بين الطرفين، حول المدة المطلوبة لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، بناءً على اتفاق إطاري وقعه الطرفان وعدد من التشكيلات السياسية، برعاية الأمم المتحدة، هدفه تشكيل سلطة مدينة في السودان.
وحاول موقع “الحرة” الحصول على تعليق من الناطق الرسم باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، ولكن لم يصلنا أي رد حتى كتابة هذا التقرير.
بدوره، يرى الخبير الاستراتيجي، الزاكي عبد المنعم، أن “حديث العطا لا يعني وجود خلافات بين قادة الجيش”، مشيرا إلى أن “كباشي لم يطالب بإلغاء فكرة المقاومة الشعبية، وإنما دعا لوضع إطار قانوني لها”.
وقال الزاكي، وهو ضابط سابق في الجيش، لموقع “الحرة” إن “دفاع العطا عن عناصر النظام السابق الذين يشاركون في المعارك إلى جانب الجيش، سببه وجودهم الكثيف وفاعليتهم القتالية، وخاصة في أم درمان، إذ شاركوا بكثافة في استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون من الدعم السريع”.
وأضاف “تولى عناصر من النظام السابق عملية الهجوم بالطائرات المسيرة على قوات الدعم السريع في محيط مقر الإذاعة، مما أدى إلى تدمير أكثر من 20 عربة، وسهل مهمة دخول المشاة، الذين كانت مقدمتهم من عناصر نظام البشير أيضا”.
ولفت الخبير الاستراتيجي إلى أن “المنطق يساند فكرة أن يغيّر الجيش طريقته الدفاعية، لينفذ عمليات برية هجومية”، وقال إن “استعادة الإذاعة بعد 11 شهرا من بدء الحرب، سببه أن قوات الجيش الموجودة في أم درمان تحررت من العقيدة الدفاعية”.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مقر الإذاعة والتلفزيون بأم درمان، التي يفصلها نهر النيل عن العاصمة السودانية، الخرطوم، في 15 أبريل 2023، قبل أن يسترد الجيش المقر في مارس الماضي.
المسار التفاوضي والسياسي
لا تبدو مواقف القيادة العليا للجيش موحدة تجاه التفاوض مع قوات الدعم السريع، إذ يرى بعضهم أهمية التفاوض وفقا لعدد من الشروط، بينما يرفض آخرون التفاوض من حيث المبدأ، “ويتمسكون بالحسم العسكري والقضاء كليا على الدعم السريع”، برأي مختصين.
يشير الزاكي إلى أن “العطا يرفع موقفا واضحا يرفض التفاوض أو مجرد الهدنة مع قوات الدعم السريع، لأنها تورطت في انتهاكات متصلة ضد المدنيين، واحتلت الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، ودمرت مؤسسات الدولة الحيوية”.
وأضاف أن “التيار الرافض للتفاوض مع قوات الدعم السريع، يرى أنها لم تنفذ ما جرى الاتفاق عليه في منبر جدة، بخصوص خروج عناصرها من الأعيان المدنية، وبالتالي لا يوجد ما يبرر العودة إلى المفاوضات”.
ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو الماضي، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على “حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية”.
في المقابل يرى المنصور، أن الخلاف بين العطا وكباشي لا ينحصر في الموقف من التفاوض فقط، بل يتعداه إلى التصورات الخاصة بمرحلة ما بعد انتهاء الحرب”.
وأضاف “يتمسك العطا بالشروع في تشكيل لجان مجتمعية في كل ولاية لتتولى عملية ترشيح ممثلي الولاية في البرلمان ومجلس الوزراء، على أن يكون المرشحون من التكنوقراط المستقلين”.
كان العطا، أعلن في مارس الماضي، عن تكوين حكومة انتقالية عقب الحرب، وقال إن “رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان سيكون على رأس تلك الحكومة”.
وأضاف أن “الجيش لن يسلم السلطة إلى المدنيين إلا عبر الانتخابات”، وهو الموقف الذي اعتبرته القوى السياسية السودانية الباحثة عن الديمقراطية “تأكيدا على نوايا الجيش غير المعلنة للانفراد بالحكم”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن “رؤية العطا تتعارض مع التصريحات التي يطلقها بعض قادة الجيش حول أن المؤسسة العسكرية لن تكون جزءا من السلطة عقب الحرب”.
ولفت إلى أن “كباشي من أبرز الداعمين إلى إحياء المسار التفاوضي مع قوات الدعم السريع لإنهاء الحرب، وسبق أن قاد مفاوضات سرية مع نائب قائدها”.
وأجرى كباشي مفاوضات غير معلنة مع نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في العاصمة البحرينية، المنامة، في يناير الماضي، لكن المفاوضات توقفت عقب تسريب معلومات عنها.
واتهمت قوى الحرية والتغيير عناصر نظام البشير “بتدبير حملة انتقادات وتخوين ممنهجة ضد كباشي، لقطع الطريق على مساعيه لإتمام التفاوض مع الدعم السريع”، بينما ينفي قادة بالنظام السابق التهمة.
ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من “الجوع الحاد”، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع، بسبب الحرب وفق وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعا، في فبراير الماضي، المجتمع الدولي إلى التعبئة وبذل كل ما هو ممكن لوقف الحرب في السودان.
وقال غوتيريش إنه لا يوجد حل عسكري للصراع بين القوات الداعمة للجنرالين، وشدد على أن استمرار القتال “لن يحقق أي حل لذا يجب علينا وقف ذلك في أقرب وقت ممكن”.
الحرة