{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِی قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُفۡسِدَ فِیهَا وَیُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ (205) وَإِذَا قِیلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ (206) }
لطالما كانت الآيات المتحدثة عن ضلال الناس محيرة لي، والبجاحة التي يكون عليها هذا الضلال في ادعاء التقوى والاحتياط بالحق، دون هدى أو بصيرة. كيف لشخص بهذا القدر من التناقض بين قوله أو فعله أن يُوجَد، ثمّ أنى يحتويه محيط اجتماعي يرضى به أو يبارك فعله؟
لكن كان الأعجَب هو كيف “تأخذه العزة بالإثم”، ولطالما كانت صورة هذه الآية في ذهني أن ينصح أحدهم أخاه بشيء من أمر بمعروف أو نهي عن منكر، فيرفض هذه النصيحة كبرياءً من أخيه، ويبرر رفضه بمبررات الأسلوب أو غياب حقائق عن أخيه أو بالصمت. لكن خلال هذه الأيام رأيتُ صورًا أقرب إلى هذا المعنى” أخذتهُ العزة بالإثم”، لم يخطر في بالي يومًا أن مسلمًا قد يُوعَظ بكف اليد عن دماء المسلمين فيجيب “مَن أشدُّ منّا قوة؟”، أو يفخر ببسالة قومه وحين يُعترَض عليه بما سلبوا وسرقوا من أموال المسلمين، استحلّها غنيمةً على جهودهم، وكأنّ الله لم يبعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق وأننا في جاهلية جهلاء تُستَحَلّ فيها أموال المسلمين بهذا الوجه.
شاهدتُ أحد متحدثيهم يتكلم عن الاغتصابات في مدني، يقول وهو يكذب ملءَ فيه لينصر مخيمه: “كنا نبعد البنات عن الجنود إبعادًا، كنّ يحببنَ هؤلاء الفرسان ويردنَ بغريزتهنّ الأنثوية الوصول إليهم، أسقطوا مدني وقاتلوا كالرجال”، هذا أيضًا غرَّهُ المخيم الذي هو فيه، وأخذته العِزّة بالإثم، وهو يدافع عمن هو يعلم في قرارة نفسه أنهم أفسدوا في الأرض وأهلكوا الحرث والنسل، حتى صار يكذب ويتحرى الكذب، وكلما قال له أحد اتقِ الله (وهو عضو قديم في حزب إسلامي) أخذته العزة بالإثم، وطفق يسبّ ويلعن، ولا يخطر في باله أنه غارق في الضلال حتى أذنيه، أو يخطر في باله ذلك لكنه لا يلتفت إليه.
الآيات الثلاثة في تسلسلها عجيبة، الشرّ البشريّ عجيب ويبلغ بنفسه آفاقَ لا يُتصوّر وصولها دون مكابدة الضلال مكابدة، والاجتهاد فيه اجتهادًا. كلما مررتُ بها أتعجب، يعجبك قوله، ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام، يسعى في الأرض بالفساد، وتأخذه العزة بالإثم، ذلك الضعيف المخلوق من نطفة، فإذا هو خصيم مبين.
ربنا يغفر لينا ويهدينا.
Alhareth Abdullah