وجدت خبر هذه المظاهرات أثناء قراءة السيرة الذاتية لأحد مثقفي دارفور من الرعيل الأول كما تقول العبارة المشهورة ، ولكن حقيقة لا أذكر من هو الآن.
قال أنهم تظاهروا في الفاشر لأول مرة سنة 1954م بسبب إشاعة مفادها أن الإنجليز ينوون فصل دارفور عن السودان ومنحها إستقلالها وأن تلك المظاهرات كانت بهدف معارضة وإفشال تلك المؤامرة.
غريبة ، دارفور فقدت استقلالها في 1874م على يد الزبير ياشا رحمة بدعم من الحكمدار إسماعيل باشا أيوب ، ولكن من 1874م حتى إندلاع الثورة المهدية ظلت دارفور في حالة ثورات مستمرة يقودها سلاطين الظل من الأسرة الحاكمة واحدا تلو الآخر.
وفي فترة حكم الخليفة عبد الله أذعنت الأسرة الحاكمة بضغط الدافع الديني ولكن ما أن لاحت بوادر نهاية حكم المهدية في 1898م حتى إنسحب أحد أعضاء الأسرة الحاكمة وهو علي دينار مسرعا من أم درمان لدارفور ليفوز بسبق الوصول قبل أية منافسين محتملين من أبناء وأحفاد السلطان إبراهيم قرض وهو السلطان الأخير لدارفور المستقلة والذي استشهد في معركة منواشي 1874م ضد الزبير باشا وهؤلاء كانوا أحق بالحكم من علي دينار بكل تأكيد.
وعادت السلطنة من جديد في 1899م بعد ربع قرن من سقوطها في 1874م وكانت تلك تلبية طبيعية لأشواق العودة لسيادة استمرت ربما لثلاث قرون ، ولكن في 1916م تم القضاء على السلطنة في طورها الأخير ، فما هو المنطق الذي يجعل أشواق العودة للاستقلال تتلاشى خلال 38 عاما تحت الحكم الثنائي لدرجة أن يتظاهر خريجي ومثقفي دارفور في الفاشر ضد سعي الإنجليز لفصل دارفور وإعادتها مستقلة في 1954م ! ماذا وجدوا في السودان الموحد من 1916م إلى 1954م حتى يتظاهروا من أجل استمرار الوحدة لمجرد إشاعة ، علما أن الإنجليز لو كانوا عازمين حقا على ذلك لما منعتهم مجرد مظاهرة في الفاشر بعيدا عن المركز وبعيدا عن الإعلام المحدود وقتها.
وبعد عامين فقط تم رفع علم الإستقلال في 1956م ولكن لم تمض عشرة سنوات حتى كانت أولى تنظيمات الاحتجاج والتظلم تنطلق في 1966م وهي جبهة نهضة دارفور.
حقيقة السودان تعب مع دارفور حين اختفى دور السلالة الحاكمة وقام المثقفين باختطاف صوت دارفور على غير توحد فتشاققوا وأرهقوا دارفور وأرهقوا السودان مع دارفور.
أتمنى أن ينطلق من جديد دور فاعل للأسرة الحاكمة من سلالة كيرا (خيرة) فهم لا يزالون موجودين ولديهم شرعية تاريخية لا أرى مانعا من أن تعترف بها الخرطوم ولو تم ذلك لوضعت كل القيادات الجديدة في موقف حرج خاصة والبعض منهم وليد مسكين ووليد مسكين في تراث وثقافة دارفور لا يصلح لتولي السلطة ولا أمور الناس ، ووليد مسكين في ثقافة وتراث دارفور لا علاقة لها بالمال والثراء فيمكن أن يكون من أثرى الأثرياء ولكنه وليد مسكين لا يصلح للحكم ولا إدارة الشأن العام ولا يؤبه له في المجالس.
#كمال_حامد 👓