بعد فترة نقاهة طويلة. بدأ نائب القائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس السيادة فريق أول ركن “شمس الدين كباشي” رحلة الظهور الجماهيري، من القضارف يوم ٢٧/ مارس، وخاطب ضباط وجنود الفرقة الثانية حول عملية تحرير “ود مدني”.
حديث “كباشي” ذكرني مقولة “مكيافيلي” ل “الأمير” الشهيرة، مقولة تستحق التأمل والتذكر سياسياً، وهي: “اتخذ جيشاً وطنياً ولا تتخذ مرتزقة، والمرتزقة لا ولاء لهم، ولاءهم للنقود فقط”، وهذه المقولة يجب تذكرها تحديداً عند التفكير بطريقة التعاطي مع مليشيا الدعم السريع، فلن يستطيع “حميدتي” مخاطبة جنوده بعد الآن ، لأنهم لم يعودوا يسمعون له، إنما يسمعون لصوت الغنائم و المنهوبات.
تصريحات “كباشي” بالقضارف، وسط صمت وارتباك الساسة، تكتسب قوتها من الضربات التي تتلقاها الميليشيات بكل المناطق المحتلة، والتي تؤكد أنها إزاء معركة حافة الهاوية، وهذه معركة يصعب العودة فيها، أو التوقف، فهي معركة اللاعودة، ولا بد من منتصر و مهزوم، لأنها معركة مصير.
رغم دعوات التهدئة والتفاوض المقترحات الأمريكية، ومبادرة “تقدم” إلا أن جولات القادة العسكريين على مناطق العمليات والخطوط الأمامية، و تصريحاتهم المباشرة حول الحسم داخلياً وخارجياً ، تشير إلى أن الصراع العسكري_المدني طفا على السطح مجدداً، وهو “صراع” حقيقي لم يغب إطلاقاً إلا لدى الواهمين والحالمين. أقول “صراع” لأنه وجودي.
تمسك القوى المدنية المتحالفة مع التمرد بخيار الضغط الدولي على القادة العسكريين للرضوخ لعملية سياسية، يوضح أنها قوى مغيبة عن الواقع و الفردي هو “الشعب” الذي يناصر الجيش في معركة الكرامة.
حفاوة أهل” القضارف “بزيارة” كباشي “، واحتفاء الإعلام بتصريحاته حول عملية تحرير” ود مدني “تدفعنا هنا لطرح سؤال وواضح وصريح؛ ما الذي حققته القوى المدنية المتحالفة مع التمرد، من كل محاولات العودة إلى السلطة عبر الاختباء خلف المجتمع الدولي؟ و كل تلك المواقف السياسية التي تصب في نهر الضغط على الجيش وقيادته، والتي قادت إلى حرب غير مسبوقة على السودان؟ ألا تستوعب مجموعة” تقدم “، وقياداتها، أن هناك رفضاً شعبياً لهم، وها هو الشعب يهتف خلف” كباشي “عن ضرورة تدمير التمرد.
الإشكالية أن حلفاء التمرد لم يتعلموا من أخطائهم التي قادت إلى الحرب، ولم يتعلموا أن الحوار وإقامة الحجة لا يأتي ببيانات تطاول وطعن و تخوين، ورطة” تقدم “حقيقية، وحجم الجريمة فيها بائن بسبب مغامرة التحالف مع” الدعم السريع “.
ما لا يعيه حلفاء الدعم السريع، أن من يخسر على الأرض ليس بوسعه إلقاء المحاضرات، ولن يجد كرسي على طاولة المفاوضات، مهما علا صراخه، ومهما أصدر من بيانات تدغدغ المشاعر، وقت الحروب، يكون الرصاص أقوى من الكلمة، ولو وجدت رواجاً بوسائل التواصل.
وعليه، فإن آخر غطاء ل” تقدم ” بهذه الحرب هو أن تتغير موازينها على الأرض، وتحتل مليشيا الدعم السريع كل السودان، وذلك بإجماع سوداني تجلى في اندفاع الشباب صوب المقاومة الشعبية، ولكنها لن تحصل على كرسي واحد في سلطة سودانية، لأن المليشيا خسرت على الأرض، وقياداتها محاصرين بالخنادق، أو هاربون في الفنادق، برفقة قادة” تقدم ” أنفسهم .
فهل تعي القوى السياسية المتحالفة مع التمرد ذلك؟ أشك، لأن وهم قادة” تقدم “كبير، ولا يتعلمون من الدروس أبداً، مثلهم مثل حليفهم العسكري” الدعم السريع .
محبتي واحترامي
رشان أوشي