(1) دفعتنى ردود الأفعال على حوار الاخت السفيرة سناء حمد العوض إلى إعادة الإستماع إليه مرة اخرى ،
وقد أساءني المثالية الزائدة والتى تتحدث عن علاقة القوى السياسية ومنهم الإسلاميين بقيادات فى الجيش ،
وهم يتجاهلون أن العالم كله يعرف أن حزب المؤتمر الوطني كان حاكما للبلاد ، بانقلاب عسكرى فى 1989م ، ونسوا مقولة دكتور حسن الترابي (ذهبت للسجن حبيسا وذهب للقصر رئيسا) ، وكأن السفيرة سناء أول من يكشف هذه الحقيقة ، ونسوا أن كل تكليفاتهم كانت بقرار سياسي بعد أن أمضوا خدمتهم العسكرية ، الفريق اول عوض ابن عوف أنهت خدمته وذهب سفيرا وأعيد للخدمة بقرار رئاسي ، والفريق أول صلاح قوش والفريق جلال الشيخ انتهت خدمتهم فى جهاز المخابرات وأنخرط الاول فى مجال الأعمال وتم تعيين الاخير معتمدا ، هل هذه معلومات خفية؟
والبعض يغفل (أن هؤلاء الضباط والقادة وعندما اصبح الأمر فى وجهة نظرهم بين خيارين الإنتماء الحزبي أو الولاء للمؤسسة اختاروا الأخيرة واطاحوا بالحزب وقيادته واودعوها السجن وسلموا الحكم لآخرين) .. أليس تلك قضية النقاش الكبرى؟ ..
وهل خفى علاقة القوى السياسية بالمؤسسة العسكرية منذ محاولة انقلاب مقدم اسماعيل كبيدة 1957م واستلام الفريق عبود الحكم من حكومة حزب الأمة القومي وانقلاب النميري بمشاركة اليسار والقوميين العرب فى 1969م وانقلاب هاشم العطا الذي نفذه الحزب الشيوعي فى 1971م وانقلاب حسن حسين 1975م ومخاولة محمد نور سعد بترتيب الجبهة الوطنية (الأمة والحركة الاسلامية والحزب الوطنى الاتحادي) 1976م ، وانقلاب محمد عثمان كرار (البعثيين واطراف اخرى) 1990م ، وخلافها ، و أحد الأحزاب السياسية الآن رئيسه جنرال سابق فى الجيش .. ونشر الحزب الشيوعى تقريرا مفصلا عن تحقيقاته فى إنقلابه وكذلك فعل حزب البعث عن إنقلاب 28 رمضان ،
هذه قضية نقاش طويل ومهم .. وهذا محل حوارات للمستقبل ، اما الماضي فقد خاض كثر..
لقد توصلت الحركة الاسلامية خلال حوارات كثيرة إلى الفصل مع هذا الخيار ، وقد اختارت الحركة فى استراتيجيتها الجديدة الإبتعاد عن المؤسسة العسكرية فى سعيها للسلطة وان تكون الانتخابات هى معيارها ووسيلتها.. ولكن قبل ذلك سعت الحركة للسماع من هذا الطرف من قيادات اللجنة الأمنية ، لماذا حدث ما حدث؟ وهو ما تم تكليف السفيرة سناء به بحزء منه لظروف موضوعية فى ذلك الوقت العصيب ، و ليس فى حديثها ما يثير الضجة سوى هلع البعض من ردود أفعال الآخرين ؟ وتضخيم كلمة (تحقيق) ، هل هناك تحقيق يقوم به شخص واحد ؟ ، إنها إفادة ضمن أخريات لمعرفة تفاصيل ما جرى.. هل أرادوا طمر الحقيقة من خلال غبار الضوضاء وفش الضغائن..؟ أن النفس الإنسانية نزاعة لذلك ، ولكن لأهل المشروع عاصم النصح وإخلاص النوايا وحسن القصد في تجاوز ذلك وبتلطف الحوار إن أقتضى الحال..
هل الذين ظلوا ينادون بضرورة تجديد الدماء ودفع قيادة جديدة هم ذاتهم الذين يحتجون على تكليف سناء ؟ ..لا أستطيع أن استوعب هذه التناقضات..
وماذا عن الذين وقعوا وثيقة دستورية مع المؤسسة العسكرية وحكموا بها البلاد بلا شرعية؟ هل يحق لهم الحديث عن المدنية أو هذا الهياج.. ؟
هذا مدخل القول ، فماذا عن محتوى الحوار ..
(2)
لقد خرجت بإنطباع أنه حوار فى غاية الأهمية والموضوعية والوضوح فى تبيان الوقائع دون إستغراق فى التفاصيل أو تعميم فى النتائج..
وأهميته تنبع من فاعلية الحركة الاسلامية السودانية ودورها فى المشهد السياسي ، ومن خلال ابراز أحداث غيرت فى تاريخ السودان وذات صلة بالمستقبل ، ومن خلال كشف جوانب حاول البعض توظيفها لتنفيذ أجندته ومراميه..
ثم لأهمية هذه المرحلة ، والكثير من مراكز صناعة القرار فى العالم تبحث عن خيط ومعلومة ، عن أثر ، وتتبع تسريبات مكذوبة وتؤسس عليها مواقف ذات تأثير بالغ ، وكثير من اجهزة الإستخبارات العالمية اعتمدت المصادر المفتوحة ، من مواقع التواصل الإجتماعي ومن المهاتفات والرسائل واتجاهات البحث وردود الافعال ، وهذه ساحة محتوى متفاعل ، لا يمكن إغفالها..
ثم لماذا الصمت ، لقد شجع هذا الإنكفاء الآخرين على ترويج روايات كاذبة وساذجة عن الأحداث ، بل كان لهذا الصمت تأثير على الراى العام الداخلى لدرجة تصور أن الحركة الاسلامية والحزب فى حالة خضوع وإستسلام ، والقبول بأى خيار (القابلية للهزيمة) ، مع أن هناك إمكانية الدخول فى الساحة بخطاب واضح وكثيف لإحداث غلبة وترجيح ، وهذا متاح ومقبول..
لقد ارتبطت عضوية الحركة الاسلامية السودانية وكذلك الحزب باللقاءات الجمعية ، مما نسميه (التنوير) والحصول على المعلومة مباشرة وفى هذا تخصيص أو شعور بالخصوصية ، مع أن غالب تلك المعلومات متاحة ، فقد كان التنظيم يدير الدولة والشأن العام وبالتالي فإن المعلومات متاحة لأطراف كثيرة ومتعددة وليست حصرية..
وهذه العقلية ما زالت مسيطرة على البعض ممن يرى أن تكون كل المعلومات طى الكتمان..
ولذلك تلاحظ أن غالب نشاط البعض ، بل فى السودان عموما أن (أوسع النقاشات فى القروبات المغلقة (أى الواتساب) بينما صفحات الفضاء العام خالية من اى بوست أو تغريدة) ، وهذا فى رأى تقصير كبير ، ويفترض بأهل الرأى – وهم أهل لذلك – مخاطبة المجتمع وذلك مقتضى الأمر ..
الفضاءات العامة سيطر عليها الرعاع والغوغاء ، بينما غاب عنها أهل الحقيقة ، بل اصبحنا نتأثر بمنتوجهم ونتحاشى ردة فعله ، واصبح تعريف ناشط ومؤثر أكثر قوة من قيادي أو حركي وهذا حال عامة القوى السياسية والمجتمعية السودانية مع انها تسعى إلى قيادة الوعى..
(3)
و مع أن الحوار هو (حوار شخصية) وما ورد فيه هو تعبير عن رأى شخصى، لكن محتواه مهم وثري وابرز النقاط التالية :
– حيوية الحركة وفاعلية مؤسساتها.. و إعادة البناء والتعامل مع الواقع.. فقد دفعت الحركة بجيل جديد من قيادات الشبابية والحركة.
– بينت مواقف الحركة فى المنعطفات التاريخية ورؤيتها الإستراتيجية ذات البعد الوطنى (الحفاظ على الوطن ووحدة الأرض وسلامة المؤسسات).. وهو ما حواه بيان حزب المؤتمر الوطني يوم 13 ابريل 2019م (نتفهم ما حدث ، وندعو للحفاظ على وحدة البلاد ومؤسسات الدولة ، وندعو لاطلاق سراح قياداتنا وفك حصار دورنا) كل ذلك مع أن التوصيف لما حدث هو (إنقلاب على المؤسسات الدستورية والشرعية)..
– توضيح رؤية الحركة ومنظورها للمستقبل وعلاقاتها بالآخرين..
واعتقد أن المرحلة تتطلب المزيد من الظهور الإعلامي بالصفة التنظيمية وليس الشخصية ، وضرورة اثراء الساحة بالاراء..
لقد تمايزت الصفوف الآن وانتهت مرحلة التوازن الدقيق ، فليس بعد الحرب محاذير ، وليس بعد إشهار السلاح للإجهاز على الدولة السودانية ومؤسساتها مخاوف ، فالخيار وحيد هو الوقوف فى (خندق الوطن وأهله)..
(4)
يوم 22 فبراير الماضى كتبت وقائع وتفاصيل ما جرى فى ذلك اليوم من العام 2019م ، – – لانه فى راى – من أهم الأحداث والمحطات فيما جرى سابقا ولاحقا له ، ولكنني فضلت عدم النشر ، فقط حتى لا أشغل الساحة بنقاشات غير معركة الكرامة ، وهو تقدير شخصى ..
فقد ترددت الكثير من الروايات أن (المكتب القيادى) قد بدل وغير فى خطاب رئيس الجمهورية وأنه (عطل خيار الإنتقال) ، والحقيقة أن المكتب القيادى لم يبدل حرفا فى الخطاب ، لانه أصلا لم يعرض الرئيس خطابا وإنما خطوط عامة ، والنقاش أستغرق 30 دقيقة ، والتحفظ الوحيد كان على (إعلان الطوارىء) وتأثيراته السياسية والاقتصادية والقانونية وتم التأكيد على حصره على الجانب الاقتصادي فقط (تهريب العملة والسلع)..
كما أن هناك تجاهل إلى أن حوارات الرئيس البشير قبل ذلك الخطاب أستغرقت اسبوعا كاملا ألتقى خلاله شخصيات سياسية واجتماعية وصحفيين وآخرها لقاء تنسيقية قوى الحوار الوطني ..
هذا نموذج فقط للمعلومات الخاطئة المتداولة..
ومما يشار إليه وفى اليوم الثالث للتغيير ، كانت الخيارات والنقاشات تدور فى محورين :
– مسايرة التغيير وتفهم دوافعه والتواصل مع القوى السياسية والمجلس العسكرى ، وبالمناسبة لم تنقطع الإتصالات مع قوى حزبية كبيرة حتى صبيحة 11 ابريل 2019م ، وما بعد ذلك..
– والخيار الثاني مواجهة التغيير سلميا بقوة جماهيرية والخروج فى مظاهرات ومخاطبات وقوة جماهيرية ،
ولم يرد اي خيار ثالث ، وانتهى الأمر بترجيح الخيار الأول وصدر البيان يحمل تلك المعاني.. وقد عبر بروفيسور ابراهيم غندور عن ذلك بإشاراته لمفهوم (المعارضة المساندة) ، وتدركون ما جرى بعد ذلك من حملة واجراءات ضد الإسلاميين مؤسسات وأشخاص..
(5)
خلاصة القول وما فهمته ، أن موقف الإسلاميين مما سلف وما تلاه كالآتى :
أولا : لا علاقة لأى طرف حركي أو سياسي تنظيمي بما حدث يوم 11 أبريل 2019م ، وهذه حقيقة أملك الكثير من تفاصيلها ، فقد غادرت المركز العام فى الواحدة من صبيحة ذلك اليوم ، وبالإضافة لإفادات السفيرة سناء وبيان الحزب فى الريل 2019م وبيان الحركة فى يونيو 2019م ..
وثانيا: لن تكون المؤسسة العسكرية وسيلة للوصول للسلطة لدى الإسلاميين ، وخيارهم الوحيد هو الانتخابات ، وحتى المرحلة الإنتقالية ابتعدوا عنها ، وعن محاصصاتها..
وثالثا: ما جرى فى 15 ابريل 2023م ، هو مخطط إختطاف وطن بمقوماته وتراثه وتفتيت دولة بمواردها وقدراتها وقد تصدت له القوات المسلحة ، ودور الإسلاميين مثل بقية أهل السودان هو إسناد جيشهم وحماية أرضهم دون من أو إمتنان ، وإن أختار البعض إتخاذ المليشيا مطية للسلطة ، فإن الإسلاميين مثل كل الفصائل الوطنية الحية يدافعون عن تراب وطنهم..
وفى خاتمة القول ، من الضروري أن نتحدث ونحكي ونكشف بما يقوى العزم ويكشف الخفايا..
حيا الله السفيرة سناء حمد العوض..وحيا الله إخوانها الذين أتفقوا معها او أختلفوا فى الراي مشفقين أو مؤيدين وكلهم – إن خلصت النوايا- على حواف حوض واحد وعلينا ألا نهدم جوانبه.. اما قولنا للناعقين من مطايا المليشيا: تبا لكم حيث حللتم..
حفظ الله البلاد والعباد..
د.ابراهيم الصديق على
26 مارس 2024م