كشف تقرير مطول للجان مقاومة الحصاحيصا عن أوضاع المدينة بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على احتلالها من مليشيا الدعم السريع، عن أوضاع قاتمة يواجهها السكان وانتهاكات واسعة النطاق ارتكبتها المليشيا شملت النهب والقتل والاغتصاب والتضييق على المواطنين في حياتهم بنهب المحاصيل والمحلات التجارية والمنازل.
وقال تقرير اللجان الصادر، الاثنين: “مضت أكثر من ثلاثة أشهر على دخول مليشيا الدعم السريع لمدينة الحصاحيصا، بعد أن قامت العناصر القليلة الموجودة في المدينة من الجيش والشرطة بالانسحاب بشكل دراماتيكي، وبعد أن فَتَحت السجون وأخرجت المحكومين، لإغراق المدينة في فصلٍ أسود من الفوضى المصنوعة”.
وأكد البيان اتساع حالة السيولة الأمنية التى بدأت مع انسحاب الجيش واستمرت بدخول مليشيا الدعم السريع وإصرارها على استمرار نوع من النهج المنفلت، أصبحت واقعاً يومياً راسخاً يضغط بشدة على مواطن الحصاحيصا، فغياب الأمن وانتشار الجرائم هما السمة الأبرز للمشهد خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة بجانب شُح النَقد ونُدرة السلع وتحَوُّل السواد الأعظم من سكان المدينة المنتجة إلى جيش من العاطلين، نزح بعضهم وصمد البعض الآخر في ظروف يتناقص فيها الغذاء والدواء ويتذبذب فيها إمداد الكهرباء والمياه، مع انقطاع تام لشبكات الاتصال التى تعَد المنفذ الوحيد لدخول المساعدات المالية عبر التطبيقات البنكية.
أن غياب الأمان انحصر السوق في بضعة باعة جائلين ومحال قليلة لبيع اللحوم والخضروات والدقيق وبعض الضروريات.
وبشكل يومي وعلى يد عناصر من مليشيا الدعم السريع يتواصل نهب ما تبقى من محلات صغيرة كانت قد فتحت مؤخراً بتشجيع و تطمين من قادة المليشيا والذين دائماً ما تنهار وعودهم في مقابل سلوكهم!.
وبحسب التقرير تتمركز جرائم المليشيا على أطراف السوق و في مداخله و في المناطق المهجورة فيه.
و مؤخراً، صار السوق المهجور مسرحاً لجرائم الاغتصاب كذلك، و التي تزايدت في غياب العقوبات الرادعة، لافتاً منها إلى حادثة الاغتصاب الجماعي التي كانت عصر الخميس 7 مارس قبل رمضان بأيام، حيث تناوبت مجموعة من عناصر الدعم السريع اغتصاب ثلاث من الفتيات يعملن في مستشفى المدينة القريب من السوق تحت تهديد السلاح ، و هو ما أدّى لاحقاً إلى إضراب الكادر الطبي بالمستشفى و إغلاق الأقسام القليلة العاملة به.
ونبه التقرير إلى أنه في ظل غياب الانتاج و توقف الاستيراد، فإن عناصر مليشيا الدعم السريع هم المصدر الأبرز إن لم يكن الوحيد للبضائع والسلع القليلة الواردة إلى السوق ، و هو مصدر مؤقت لأن أغلب هذه البضائع و السلع مسروقة من المنطقة أو من مناطق أخرى قريبة، مشيرا إلى احتكار افراد المليشيا توريد أغلب المحاصيل الزراعية و التي تم نهبها أيضاً تحت تهديد السلاح من المَزارع القريبة و من المخازن و الأسواق ، و تقوم عناصر المليشيا ببيع هذه المحاصيل لتجار القطاعي الذين ربما لن يسلموا كذلك من النهب الذي قد يطال ذات البضائع ، أو النهب الذي قد يطال المال الذي يمكن ان يجنُوه منها.
وأوضح التقرير أن ترحيل البضائع و نقل الأفراد من المهام الحصرية التي تتولاها عناصر المليشيا في المنطقة ، لأن أغلب السيارات التي كانت في مدينة الحصاحيصا و القرى المجاورة لها ، قد تمت سرقتها بواسطة عناصر مليشيا الدعم السريع و التي قامت بترحيل أغلبها ، و ما تبقى من السيارات المسروقة في المدينة فهو يعمل في خدمة عناصر الدعم السريع في المهام الرسمية و الشخصية كذلك.
ونبه التقرير إلى أن النهج الذي يتبعه أفراد المليشيا هو السيطرة الاحتكارية على كل شئ مع الغياب الكامل لأي نوع من انواع الإدارة أو التخطيط المستقبلي.
ولهذا تبعاته المؤثرة سلباً على الانتاج و أيضاً على مستقبل سيطرة المليشيا نفسها ، و هي تبعات بدأ بعضها في الظهور فعلاً.
وقال التقرير إن المليشيا نجحت في تجنيد بعض من مواطني المنطقة في صفوفها، إلا أنها فشلت في استقطاب السواد الأعظم من المواطنين.
وربما يعود ذلك لأسباب عديدة يتصدرها السلوك الهمجي الجامح لأفراد المليشيا و المتعارض مع الموروثات القيمية للمجتمعات المحلية ، ومنها العوامل العشائرية التي تجعل احتكار المليشيا للقيادة صعباً في الجزيرة، ومنها شح التموين لدى المليشيا مما ينعكس سلباً على المردود المالي للمنضمين في مقابل مخاطر الانضمام تلك، كما أن السبب الأهم هو افتقار المليشيا لرؤية واضحة حول السبل الأنسب لإدارة المناطق التي تحت سيطرتها، خصوصاً وأن سلوك العصابات الذي تمارسه المليشيا يتناقض كلياً مع الحد الأدنى الواجب توفره لإدارة قرية صغيرة، ناهيك عن دولة بمساحات شاسعة و شعوب متنوعة كالسودان.
وأكد التقرير أن اغلب الذين كسروا الحواجز من المواطنين و انضمُّوا لمليشيا الدعم السريع أو أولئك الذين اجبرتهم الظروف على التعامل المباشر معها، لم تظهر عليهم علامات الرضاء أبداً.
وكشف التقرير أن المليشيا اختارت مواقع حكومية و خاصة كمقار لها، كما اختارت بعضا من أقسام الشرطة بالإضافة لعدد من المنازل ، لتكون مقرات إدارية و ثكنات وأماكن للاحتجاز،
وأقامت المليشيا عدداً من الارتكازات على مداخل المدينة والسوق، لتكون بمثابة مصادر مهمة لجباية الأموال، حيث تَفرِض مبالغ على عبور المركبات و البضائع و العربات الكارو والبهائم و حتى على المواطنين الراجلين، كما تتم مضايقة المسافرين و تفتيش أمتعتهم و سلب ما يحملون تحت دعاوى أنهم من الكيزان والفلول.
وقال التقرير إن التواصل الخارجي بين مواطني منطقة الحصاحيصا وبقية العالم، يتم بشكل نادر و اضطراري عبر اتصال بالإنترنت عبر أجهزة (ستار لنك) ، هذا الاتصال توفره عناصر من المليشيا كاستثمار صغير لها في السوق و في بعض الساحات و النوادي ، و تديره بشكل سيئ يجعل الخدمة رديئة و التكلفة عالية.
و تتم التحويلات البنكية من و إلى المواطنين عَبرَ هذه القناة . و مع شح النقد ، تستغل المليشيا حاجة المواطنين و تفرض نسبا كبيرة على التبديل النقدي قد تصل في بعض الاحيان إلى “30%” ، مشيرا إلى أن حتى تجمعات المواطنين في مناطق الانترنت لم تسلم من السلب و النهب تحت تهديد السلاح و تحت ذرائع الانتماء للجيش، و لم تسلم كذلك من الاستيلاء على الأموال النقدية الشحيحة التي بحوزتهم و كذلك الهواتف و الحسابات البنكية ، و هناك حوادث حصلت في “موقف البحر” و “حي العمدة”.
وقال التقرير إن أحياء و قُرى الحصاحيصا صاحَبَها خمول كبير في المناشط الاجتماعية والرياضية والثقافية و غيرها، منذ أن وطأت أقدام المليشيا تراب المدينة، و اختفت الملمّات المصاحبة للزيجات، عدا تلك الحالات التي يكون فيها العريس عنصراً من عناصر المليشيا..
وقامت المليشيا بكثير من التعديات علة المآتم و على مواكب تشييع فقداء الحصاحيصا.
وتحوّلت أغلب الجهود في الأحياء و القُرى و الفرقان السكنية إلى جهود دفاعية تعمل على الحد من نهب عناصر المليشيا والمتعاونين معهم من العناصر المحلية.
هذه الجهود تأخذ طابعاً سلمياً يعتمد على التنادِي عند حالات الخطر، و التجَمهُر ضد المعتدين من المليشيا، و هو شكل فيه كثير من المجازفة ، خصوصاً و ان عناصر المليشيا لا تبالي كثيرا بحياة الناس.
وأشار التقرير إلى أن المحال التجارية والبقالات الصغيرة والبيوت في الأحياء، تعتبر أهدافاً يومية محتملة لسرقات عناصر الدعم السريع، وتقطن هذه العناصر في بيوت الناس أيضاً ، و تعتبر هذه البيوت هي المقرات التي تدير من خلالها عناصر المليشيا مناشطهم الاجتماعية كالاحتفالات و السهرات والتي تظهر كنمط أصيل في مسلكهم ، كما تقوم العناصر بتخزين المنهوبات والذخائر والأسلحة والمواد التموينية فيها.
وأكد التقرير أن أغلب عناصر مليشيا الدعم السريع الموجودين في المنطقة من الشباب ، يتبعون غرائزهم بوضوح و يقودون بتهوّر شديد تلك السيارات والدراجات المنهوبة من المواطنين.
ونبه التقرير إلى أن الخلافات بين عناصر المليشيا قد تنشأ لأسباب تافهة، إلا أنها من منظورهم قيمة و جزء أصيل من اهتماماتهم . و تحسم هذه الخلافات عن طريق الرصاص ، و يمكن للخلافات الصغيرة ان تتطوّر سريعاً إن تورطت فيها فصائل كبيرة من المليشيا. ويعاني مواطن الحصاحيصا من مثل هكذا نزاعات ومخاطر اضافية تزيد الطين بله.
صحيفة السوداني