الصمود الأسطوري لسلاح الإشارة في وجه أخطر هجمات التمرد، المدّعم، هذه المرة، بكبار الضباط والأسلحة الثقيلة والعتاد الخارجي، هو دليل على أن الجيش يتحكم، بصورة ما، في إدارة المعركة، وأنه بالفعل ينسحب من مواقع يستطيع البقاء فيها، ويحافظ على مواقع يستطيع مغادرتها دون خسائر!
ولذلك صمدت حطاب والإشارة في بحري، والمهندسين وكرري في أم درمان، والمدرعات والقيادة في الخرطوم، في أوج عنفوان الدعم السريع، إلى جانب بابنوسة والفاشر غرباً، وهى خطوط ترابط في مناطق جغرافية لها رمزيتها وأهميتها الاستراتيجية، بينما سقطت الاستراتيجية واليرموك والاحتياطي وقاعدة جبل أولياء ومن ثم مدني بعد ذلك..
وهنا يدور السؤال المهم لماذا سقطت هذه المناطق وبقيت مناطق أخرى كان يمكن لها أن تسقط أيضاً؟ الإجابة على هذا السؤال تأخذنا إلى التسليم بأن الجيش يتعامل مع هذه الحرب بخطط مرنة، يمكنك فقط التمعّن في الظهور المفاجئ لرئيس الأركان وكبار ضباطه داخل القيادة العامة، وهم يوزعون فرحة الصائم للجنود، دون أي أثر عنيف للحصار، وسوف تشدك بالطبع، لقطات سرامس الشاي والمقاعد الوثيرة، والأريحية على وجوه الجنرالات، إلى جانب سقوط قيادة الدعم السريع في أمدرمان، على نحوٍ مفاجئ، رغم قوتها والرهان عليها قِبل حلفاؤهم، فضلًا على هروب كبار قادة المليشيا من الخرطوم تقريبًا، أو تخفيهم حتى لا تتصيدهم المسيّرات،
ويبدو أن الجيش عمل_عن قصد_ على تجاهل ذلك التفوق الخادع للمليشيا، أو ما يمكن تسميته بوهم القوة، مع الأخذ في الاعتبار أيضًا إمكانية قيام الدعم السريع بمغامرة جديدة تضخ الروح في شرائينهم، وترمم نفسياتهم المتصدعة، وقد بدأت بالدعاية لدخول أسلحة نوعية إليهم، وتحركات خارجية بين أنجمينا وأبوظبي لإنقاذ ما تبقى من المليشيا، لكنها صعب ان تفلح في مواجهة المقاومة الشعبية التي أدركت خطورة المؤامرة واصطفت في خندق الدفاع مع الجيش، هذا إن لم يكن لزيارة الفريق أول ركن ياسر العطا واللواء اللبيب اليوم إلى القضارف وسنار علاقة بتحركات ميدانية مختلفة للجيش، أو ايذاناً “بالإشارة” المرجوءة و”كلمة تدينا البشارة”، على قول المُغني.
عزمي عبد الرازق