دائمًا ما كنا نردد أن مصر فى قلب الأحداث داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما برز خلال الفترة الأخيرة وتجسد فى بعض المواقف مثل الموقف المصرى الثابت والواضح من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، الذى أصبح على رأس أولويات السياسة الخارجية الدولية، وما تواكب مع ذلك من إصلاحات اقتصادية غير مسبوقة فى طبيعة السياسة المصرية داخليًّا.
هكذا أرى أهمية زيارة وفد الاتحاد الأوروبى رفيع المستوى لمصر، أمس، والذى ضم أورسولا فون دير لاين، «رئيسة المفوضية الأوروبية»، وألكسندر دى كرو، «رئيس وزراء بلجيكا»، وجورجا ميلونى، «رئيسة وزراء إيطاليا»، وكيرياكوس ميتسوتاكيس، «رئيس وزراء اليونان». وهى زيارة تعبر فى وقتها وسياقها الإقليمى عن حجم الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبى ارتكازًا على قاعدة تنظيم المصالح فى ظل علاقات دولية معقدة ومتشابكة ومتداخلة بشكل يختلف عن طبيعة تلك العلاقات الدولية سابقًا، والهدف هو شراكة من أجل الاستقرار فى المنطقة بتعزيز الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى. أهمية زيارة وفد الاتحاد الأوروبى أنها تأتى فى ظل وجود تحديات إقليمية ضخمة فى ظل أشد درجات الصدام الفلسطينى الإسرائيلى منذ 1948، وذلك بعد تغيير موقف دول الاتحاد الأوروبى من التعاطف مع الرواية الإسرائيلية المرتكزة على فكرة أن ما حدث هو رد على الهجوم الحمساوى فى 7 أكتوبر الماضى. ويعنى ذلك أن هناك تغييرات فى الموقف التقليدى الداعم لإسرائيل، بعد تغيير بوصلة الرأى العام الأوروبى، وضغوطه بالمطالبة بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية. هناك اتفاق واضح فى الرؤى الآن من دول الاتحاد الأوروبى مع الموقف المصرى لاستعادة مسارات السلام العادل والشامل، وحل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو تأكيد لنجاح مصر فى بناء تحالفات مرتكزة على خبرة استيعاب الملف الفلسطينى الإسرائيلى ومعرفة أطرافه الفعالة. ورفض العمليات العسكرية الإسرائيلية، والمطالبة بوقف الحرب، والتعامل مع الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة بشكل عاجل، ووقف زيادة مساحة رقعة الحرب بشكل شبه يومى، ودعم جهود التسوية السياسية ومواجهة كافة مظاهر تهديد الأمن الإقليمى. أعتقد أن زيارة الأمس، كما هو متوقع.. ستعقبها أشكال جديدة من التعاون. وستكون البداية وقف آلة الحرب الجهنمية بالتسويات السلمية، والتعامل مع آثار الحرب بالتخطيط لإعادة الإعمار، وتأكيد الاستمرار على مواجهة التطرف والإرهاب، وترسيخ مساعى مكافحة الهجرة غير الشرعية.
زيارة وفد رفيع المستوى للاتحاد الأوروبى تعنى أن هناك تحركًا إيجابيًّا فى رفع مستوى العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة باعتبار مصر شريكًا أساسيًّا موثوقًا فيه فى مواجهة التحديات الإقليمية المشتركة، وهى مسؤولية على قدر الأوزان الإقليمية الجديدة لشكل المنطقة العربية.
د. هند جاد – المصري اليوم