* «مين قالك إن المسلمين بس هما اللى هيدخلوا الجنة؟.. دى معلومة مغلوطة».. هكذا كان رد الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، حول تساؤل من أحد الأطفال: لماذا فقط المسلمون من يدخلون الجنة؟ في واقعة تعد الثانية بعد واقعة تصريح الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن دعاء «اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين» هو قول خاطئ ويدعو للتفرقة وعدم التسامح، ثم تراجع عنه رغم تسجيله بالصوت والصورة بعد ضغط أصحاب الفكر المتطرف.
* جاء تصريح الدكتور على جمعة خلال برنامجه «نور الدين»، الذي يُذاع على القناة الأولى المصرية، ويخاطب الشباب والمراهقين والأطفال، قويًا وجريئًا وحاسمًا، ومثيرًا للجدل من جديد، حيث رمى حجرًا في مياه راكدة منذ سنوات ليعلن عن بصيص نور في تجديد الخطاب الدينى.
* والحقيقة لا يهمنى إن كانت حقًا إجابته صحيحة أم كانت إجابة مدعومة بحكمة هروبًا من الموقف- وهو المطلوب- ولكن ما يهمنى هو محاولته عدم بث سموم أفكار التطرف في عقل الطفلة وغيرها من الأطفال الحاضرين والمستمعين والذين يعتبرون نواة المستقبل للنور أو الظلام.
* شعر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بقلقه منذ ٥ سنوات من الخطاب الدينى المتداول مما جعله يدعو إلى تجديد الخطاب الدينى.. ولكن وما النتيجة حتى الآن؟.. نقف جميعًا عند نقطة واحدة، وهى من يقُل خيرًا في صالح الطرف الآخر، خاصة الأقباط بحكم الأغلبية، تُلقَ عليه مجانيق نارية ملتهبة لتكفيره من خلال لجان إلكترونية ضخمة تتهمه بالجهل وعدم فهمه لقوام الدين الصحيح، وكأن الجميع أصبحوا علماء وفقهاء دين.
* نعم.. نعانى جميعًا من الخطابات المتطرفة العنصرية في الكثير من المواقف، ولكنى أقف عند كونها خطابات فردية لأفراد لا يريدون لهذا الوطن التقدم والازدهار، ودعونى أذكر لكم بعض الأمثلة من الذاكرة السوداء، حيث ظهر منذ فترة بعض اللافتات على مدخل مستشفى عام وحديقة عامة، والكثير من الأماكن في نفس الوقت أنه لا يمكنك الدخول إلا بعد أن تصلى على النبى.. ولا أمانع هنا في الصلاة على كل الأنبياء، فكل نبى له كل التقدير والاحترام، ولكن لماذا بث رسائل عنصرية تجبر شريكك في الوطن؟. وبعد أن أثيرت تلك اللافتات، اكتفى البعض بإزالة كلمة الإجبار، وترك جزء من اللافتة يدعو للصلاة على النبى كما هي تنتشر الآن في المواصلات العامة.
مثال آخر.. منذ أيام، قررت مدرسة خاصة تخصيص فقرة في الطابور المدرسى لشرح نصوص القرآن بمناسبة شهر رمضان الكريم على الأطفال، مما أحدث بلبلة من قبل بعض أسر الطلاب الأطفال.. إن مثل هذه الدروس مكانها حصص الدين وليس الإذاعة المدرسية، وغيرها من المواقف الأخرى مثلما حدث معى ورفض أحد مصممي الرخام الجرانيت كتابة آية من الإنجيل على اللوحة المخصصة للمنزل، معللًا أنه لا يكتب مثل هذه الكلمات.. وغيره ممن يرمى سهامًا مسمومة وأنت تأكل إذا أردت عزومة صديق في العمل، فتجد من يساهم بفكره المتطرف: «لا تأكل لأن الأكل يُصلى عليه».. وغيرها من المواقف التي لدىَّ إصرار على أنها فردية حتى الآن ويجب مواجهتها بكل حسم وحكمة مثلما فعل الدكتور على جمعة.
* ولم يكن الدكتور على جمعة النموذج المستنير الوحيد من رجال الدين الذي يحاول جاهدًا تصحيح المفاهيم الخاطئة، بل سبقه الدكتور شوقي علام، مفتى الديار المصرية الحالى، بصدور كتاب منذ ٣ سنوات تحت عنوان «العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.. من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية»، ليكون مساهمة في بيان الأحكام الشرعية في عدة قضايا، تمس جوانب شتى للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين بطريقة موجزة وشافية، ومنها مشاركة الأقباط في المناسبات وتهنئتهم وحضور مراسم الدفن معهم والتعايش معهم.
* الخلاصة: هناك من يدركون أن قوة هذه الأمة في وحدتها وتماسكها بين المسلمين والمسيحيين، ويحاولون جاهدين التفرقة ببث الأفكار المتطرفة بتشوية الدين.. وللأسف، مريدو تلك الأفكار ليسوا قليلين.
«طوبى لصانعى السلام والويل لصناع الفتنة».
ميلاد حنا – المصري اليوم