من فوائد علم التاريخ فهم المرتكزات التي قامت عليها كل حضارة لترسم خطاها في محاكاتها بتبصر يستلهم ما أنجزت ونجحت فيه وتفادي الوقوع في زلاتها ومخازيها التي عجلت بزوالها.
كذلك ففي جوف التاريخ معاني التأسي للفرد العادي من الناس وعدم قتل النفس بالحسرات الممضة وعض الأنامل جراء ذلك حزنا علي خير عام، عم الناس كان رمز السؤدد والمنعة للأمة أو لشعب من شعوبها ثم انهار الصرح وتفرق الجمع وعم الهرج فالتاريخ يدلك أن مثل ذلك حدث مصاحباً لزوال كل نعمة أصابها الناس ثم ذهبت وزالت معها دول وتساقطت إمبراطوريات لأن دوام الحال من المحال.
يواسي الفرد المتفجع أنه إن كان في موقع نصح قبل السقوط، نصح ولم يبخل حتي لو أذهب نصحه نعمة كان يرفل في ثمراتها أو منصباً جلب تلك الثمرات عليه.
كان حال دريد بن الصمة سيد وحكيم هوازن مع أخيه عبدالله وقومه فقد محضهم النصح بمنعرج اللوي فعصوه ولو أطاعوه لنجوا :
فلما عَصَوْني كنت منهم وقد أرَى … غَــــــــوَايتَــــــهم أَو أنَّــنِي غيرُ مهتدِي
أَمــــــرتُهم أَمــــــرِي بِمُنْعرَجِ اللِّــــوىَ … فلمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلا ضُحى الغَدِ
وهــــل أنَا إلاَّ من غُزَيَّةَ إِنْ غَوتْ … غَـــــــــــويْتُ وإِن تَـــرشُدْ غُـــــــــــزَيَّــةُ أرْشُدِ
وكذلك قالت الانثربولجية الًرقم مارقريت مييد تجادل الأديب مواطنها الأسود جيمس بولدن تبرأ من جريرة إلقاء بلدها أمريكا القنبلة الذرية علي اليابان بالقول إنها قد تظاهرت وشجبت ذلك الفعل القبيح وذاك قصاري مافي جعبتها من سهام وقوة لمنعه كيف و إن هي إلا مواطنة واحدة بين ملايين!
ذاك حسب المرء من الإمكان فلا يبخل به القادر عليه وهو أضعف الإيمان أما الجلد الجذع فميدانه فعل آخر.
ومن الحسرات غير الضرورية وغير النافعة حسرات علي خذلان من تجمعك بهم جوامع كاللغة والدين والثقافة المشتركة ففي التاريخ عزاؤك: ما اقتتل قوم كاقتتال من تجمعهم المشتركات ! فالأوروبيون تقاتلوا السنين الطوال: حرب المائة عام وحرب الثلاثين والحروب التي نعتت بالدولية الاولي والثانية وبينهم من المشتركات ما تعلم. والمسلمون لهم حظوظ من ذلك فذراري أمية والعباس تعمدوا إفناء بعضهم بعضاً وبينهم من الدم والدين ما نعلم وعللوا ذلك بأضاليل بأن ( الملك عقيم!). وفي الأندلس تقاتلت القيسية واليمانية قتالا قل مثله في التاريخ حتي دال سلطانهم رغم أن ملكهم طال حتي أوشك أن يبلغ ألف عام!
الذي يعرف ذلك من التاريخ عليه ألا يعلق كثيراً في عهد القطرية المجزئة، علي عون وعطف ونجدة تلقاها ممن يشاركك اللسان والإعتقاد ذلك جائز في غرف الدرس وفي حصص التعبير والإنشاء وعبر النفخ في مكبرات الصوت نفاقاً أو تجملاً يتخفي فيه الكذب والنفاق وفي المعاريض مندوحة من الكذب. أبذل كل ما تملك ومن رباط الخيل تذب عن أهلك وعرضك وبلدك ولا تعول علي غير الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد وإن كان مصير ذلك أن تفني، أحفر قبرك بأظافرك حتي تدمي أو كن طعاماً في حواصل الطير وبطون السباع وذاك المصير تمناه نبي الرحمة قبورا لعمّه الحبيب لكنه أشفق عليكم من تحمله.واعلم أنه (لا عيش إلا عيش الآخرة).
ومع ذلك ان شد حنين النوع والجنس واللغة والدين والجوار بعضهم فانتفضوا لنصرتك فهو زيادة خير وبركة غير مستبعدة فتلك قلة خير باقية أبد الدهر في الناس وما أكثر الناس بخيرين!
دكتور الخضر هارون