تهدف تحركات مصرية جديدة في الشأن السوداني، لترتيب لقاء يجمع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”، وفق ما ذكره رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك.
والتقى حمدوك بصفته رئيسا لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، في القاهرة بعدد من المسؤولين المصريين، وناقش معهم تطورات الأوضاع في السودان.
وأعلن في تصريحات، الاثنين، أن “القيادة المصرية وافقت على طلب تقدّم به لحث البرهان وحميدتي على إنهاء الحرب، متوقعا أن “يتم اللقاء في القاهرة”، دون أن يحدد وقت اللقاء.
يرى المحلل السياسي السوداني، عثمان المرضي، أن “زيارة حمدوك إلى القاهرة تعدا تحولا كبيرا في مساعي تنسيقة “تقدم” الرامية إلى إنهاء الأزمة السودانية، مع اقترابها من العام”.
وقال المرضي لموقع الحرة، إن تنسيقية “تقدم” طافت عددا من الدول الأفريقية، والتقت بعدد من الزعماء الأفارقة، ضمن مساعيها لحل الأزمة، لكن لم تكن هناك أي محصلة منظورة في هذا الجانب.
وأشار إلى أن “زيارة حمدوك إلى القاهرة ستزيل سوء التفاهم بين الأحزاب الداعمة له، وبين القاهرة، لأن بعض قادة تلك الأحزاب يشيرون إلى أن القاهرة لم تدعم التحول الديمقراطي في السودان، وأنها كانت أقرب إلى الجيش من الحكومة المدنية الانتقالية”، على حد تعبيره.
وفشلت مبادرة قادتها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيغاد”، في يناير الماضي، لجمع البرهان وحميدتي في لقاء مباشر، رغم موافقة الرجلين على اللقاء من حيث المبدأ.
وقاطع البرهان قمة هيئة “إيغاد” التي استضافتها أوغندا في 18 يناير الماضي، لمناقشة الشأن السوداني، اعتراضا على دعوة قدمتها الهيئة إلى حميدتي للمشاركة في القمة.
بدوره، يشير الخبير الاستراتيجي السوداني، كمال مرتضى، إلى أن “زيارة حمدوك إلى القاهرة تدلل على أن تنسيقة “تقدم” اقتنعت بأن مصر دولة مركزية، وأن دورها مهم في جهود إنهاء الحرب”.
وقال مرتضى، وهو ضابط سابق في الجيش السوداني، لموقع الحرة، إن “مصر تحركت في الملف السوداني لأنها من أكثر الدول التي تضررت من تطورات الأوضاع في السودان، ومن الراجح جدا أن تتمكن من جمع البرهان وحميدتي في لقاء مباشر”.
وأشار إلى أن “العاصمة المصرية تستضيف حاليا العشرات من قادة الأحزاب السياسية السودانية، وهذا يعزز فرص نجاح أي مبادرة تقودها مصر لحل الأزمة في السودان”.
واستضافت القاهرة في يوليو الماضي، مؤتمر دول جوار السودان، في محاولة لإنهاء الحرب. ودعا البيان الختامي للمؤتمر “الأطراف المتحاربة إلى وقف التصعيد”، كما أكد على “الاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية”.
من جانبه، يرى الخبير المصري في الأمن الأفريقي، اللواء، محمد عبد الواحد، أن “شكوك الجيش السوداني في مواقف وتحركات هيئة “إيغاد” يدعم فرص نجاح أي تحركات مصرية ترمي لإنهاء الأزمة في السودان”.
وقال عبد الواحد لموقع الحرة، إن “مصر لها خبرة طويلة في الشأن السوداني وتملك علاقات جيدة مع معظم الأطراف السودانية، مما يجعل تحركاتها مقبولة بدرجة كبيرة”.
وتوقع أن “تبحث القاهرة عن المساحات المشتركة بين الأطراف السودانية المتنازعة، للوصول إلى نموذج لتقاسم السلطة، بطريقة تعالج الأخطاء التي كانت سائدة خلال فترة تقاسم السلطة عقب سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير في 2019”.
وأشار إلى أن “موقف مصر المعلن هو عدم التدخل الخارجي في الشأن السوداني، ولذلك ستعمل لإيقاف الدعم الذي يصل إلى الطرفين المتحاربين، باعتبار أن ذلك الدعم أجج الصراع وأوصله إلى مرحلة الحرب الأهلية، مما أزعج القيادة المصرية”.
وتطرح التحركات المصرية في الشأن السوداني، تساؤلات عن إمكانية نجاح القاهرة في ما فشلت فيه عواصم أخرى تحركت لتسوية الأزمة السودانية، وما إذا كان التحرك المصري يجد القبول من كل الأطراف.
ويقول المرضي، إن “القاهرة لا تبدو وسيطا محايدا في الأزمة السودانية، لأنها تبدو أقرب للجيش، منه إلى الدعم السريع”.
وأضاف “من المعلوم أن قوات الدعم السريع تتهم مصر علنا بأنها تدعم الجيش السوداني، كما أن حميدتي نفسه كان اتهم في تصريح تلفزيوني الطيران المصري بقصف مواقع قواته، مما يقلل فرص نجاح المبادرة المصرية في الشأن السوداني”.
ولفت إلى أن “المبادرة المصرية لن تنجح لأن القاهرة لديها موقف من تنظيم الإخوان، وهو من يتحكم الآن في قرار الجيش، وبالتالي لن يسمح التنظيم بأي مبادرة تأتي خصما عليه”.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في أغسطس الماضي أن “الإمارات ترسل أسلحة إلى قوات الدعم السريع”، كما أشارت في أكتوبر الماضي، إلى أن “مصر زودت أيضا الجيش السوداني بطائرات من دون طيار ودربت القوات على كيفية استخدامها”.
وتنفي الإمارات رسميا إرسال أسلحة إلى قوات الدعم السريع.
لكن في المقابل، يرى مرتضى أن “مصر تحركت في الشأن السوداني لأنها تضررت فعليا من الحرب، خاصة عقب وصول آلاف السودانيين إلى أراضيها، مما زاد الضغط على وضعها الاقتصادي”.
وأضاف: “تختلف مصر عن غيرها من الدول التي تنشط لحل الأزمة السودانية، في كونها متضررا أساسيا من التأثيرات السالبة للحرب، بجانب أنها فقدت عائدات التبادل التجاري بينها والسودان الذي يعد سوقا رائجة للمنتجات المصرية، وهذا أكبر محفز لها للانخراط بشكل عملي وفعال لإنهاء القتال”.
وبحسب وكالات الأمم المتحدة، وصل إلى مصر قرابة نصف مليون سوداني منذ اندلاع الحرب السودانية، بينما انتعشت عمليات تهريب السودانيين عبر الطرق البرية إلى مصر، بطرق غير رسمية.
وبدروه، ردّ عبد الواحد على اتهام الدعم السريع لمصر بأنها تدعم الجيش السوداني، قائلا إن “مصر دعمت كل الجيوش في المنطقة العربية عقب الربيع العربي، بهدف المحافطة على تماسك المؤسسات العسكرية لأن سقوط الجيوش يولد أنظمة ودولا منهارة”.
وأضاف أن “مصر تخلت عن الدور الداعم للجيش، ووقفت على الحياد، بعد تحول الصراع إلى حرب أهلية، وتعمل جاهدة لحل الأزمة السودانية، حتى لا تظهر الجماعات المتطرفة والجرائم المنظمة”.
وتابع “من وجهة نظري هناك حاجة لمقاربة جديدة، لأن تحقيق الاستقرار يجب أن يضع تنظيم الإخوان بالسودان في الاعتبار، ويجب العمل على تحييدهم من خلال تفاهمات ومقاربات سياسية وأمنية، لأنهم صنعوا دولة عميقة في السودان”.
وأضاف أن “وقوف القاهرة على الحياد بين الطرفين المتقاتلين، وتحرُّكها لحل الأزمة السودانية، لا يعني بالضرورة عودة تنظيم الإخوان إلى الحكم في السودان”.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.
وفي السابع من فبراير، أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نداء لتقديم دعم دولي بقيمة 4.1 مليار دولار للمدنيين المحاصرين في السودان.
وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، وإن الأموال المطلوبة ستخصص لمساعدة ملايين المدنيين في السودان، وغيرهم ممن فروا إلى الخارج.
الحرة