كم بقي على أذان المغرب؟

مع أول أيام شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي يتمتع بخصوصيته الدينية والاجتماعية في قلب وذاكرة كل مسلم، أياً كان المكان أو البلاد التي يسكنها، فرمضان، إلى جانب أنه شهر عبادات وروحانيات، إلا أنه يمثل ذاكرة جماعية اجتماعية وثقافية ممتدة في كل البلدان التي تظهر وتتجلى فيها صوره وطقوسه الحلوة.

رمضان يذكر بطفولة تستعيد معنى التجربة التي يتعرف إليها الطفل حين يختبر الصيام لأول مرة، فيظهر التزاماً أو فرحاً أو تعباً أمام الأهل طيلة اليوم، لكنه غالباً ما يجد أكثر من سبيل للتحايل واختراق الصيام، بجرعات ماء مسروقة، أو لقيمات طعام يعرف الأطفال كيف يديرون عملية توفيرها وتهريبها بطريقة (التعاون في السراء والضراء)، وحين يكبرون يستعيدون تلك الصور، ويضحكون متباهين بذكائهم الذي يظنونه قد مرّ فعلاً على أهلهم!

ذاكرة رمضان ملونة ومبهجة، وتشبه الموالد والكرنفالات ودكاكين الحلوى واللعب، فرمضان يحتوي ويحتفي بالعبادة، كما باللقاءات والأطعمة المختلفة المرتبطة به هو دون غيره، وهذا حق حصري يمتلكه الشهر الكريم، الذي تزدهر فيه الأطباق الحلوة واللذيذة والفاخرة، والتي لأجلها يستمر تزويد مطابخ وثلاجات المنازل أياماً، حتى تعمر وتفيض بكل الخيرات، من اللحوم والأسماك والخضراوات والصلصات والمشروبات، فتجد الأطفال طوال النهار يترددون لفتح الثلاجة، كي يمتعوا نظرهم بما تمتلئ به، ويجعلها أقرب لثلاجة الدكان أو السوبرماركت.

لرمضان ذاكرة تلفزيونية بامتياز، فنحن قد ننسى ونهجر هذا الجهاز طويلاً، لكننا نتسمر أمامه في النصف الساعة المتبقية من اليوم، نحب رؤية استعدادات الإفطار، تجمع الناس حول أماكن مدافع رمضان، صوت الدعاء وانطلاق المدفع وأذان المغرب، وذلك السؤال الذي يكرره أحدهم في المنزل، جيئة وذهاباً: يا جماعة كم باقٍ على الأذان؟؟.

وعلى المائدة الرمضانية العامرة، وفي أول أيام الإفطار، يلتئم شمل العائلة، وتدور أحاديث الأبناء المتلهفين لإفطار الأسرة التقليدي، لقهوة الأم وشاي البيت، وهريس أم أحمد، واللقيمات التي تعدها الأخت الكبرى، لأحاديث المائدة التي تحول الذاكرة لشلال منهمر، يستعيد التاريخ السري لمغامرات الأبناء، وكيف كان رمضان في ذلك الزمان؟.

كل رمضان وأنتم في تمام الخير، وامتلاء الذاكرة بالمسرات.

عائشة سلطان – صحيفة البيان

Exit mobile version