مستر بلينكن.. هل المنصب أكبر منك؟!

عام 1991، حينما كان وزير الخارجية الأمريكى جيمس بيكر يسابق الزمن لعقد مؤتمر مدريد للسلام فى الشرق الأوسط عقب تحرير الكويت، واجه تعنتًا إسرائيليًّا شديدًا، فما كان منه إلا أن قال علنًا للمسؤولين الإسرائيليين: «عندما تكونون جادين، هذا رقم تليفونى»، وذكره بالفعل. لم يكتفِ «بيكر» بذلك، بل منع بنيامين نتنياهو، نائب وزير الخارجية الإسرائيلى آنذاك، من دخول مبنى الخارجية الأمريكية، ورفض مقابلته لأنه عمد إلى تقويض جهوده.

عقب هجمات حماس 7 أكتوبر الماضى واندلاع العدوان الإسرائيلى، قام وزير الخارجية الأمريكية، أنتونى بلينكن، بخمس جولات فى المنطقة باءت كلها بالفشل بسبب إسرائيل، وتحديدًا نتنياهو، الذى رفض تقريبًا كل مطالبه، بدءًا من إدخال المساعدات، وعدم استهداف المدنيين، وليس نهاية بجهود التوصل إلى هدنة.

ليس هذا فحسب، بل إنه عامله بازدراء، وأطلق فى حضوره تصريحات تُظهره ضعيفًا غير ذى أهمية. فى جولة بلينكن الأخيرة، تعهد نتنياهو باستمرار الحرب، وعارض بشكل قاطع خطة وقف إطلاق النار، التى تعمل عليها واشنطن مع مصر وقطر. إنه لا يتجاهل أمريكا فقط، بل يجعلها تبدو منافقة فى نظر دول كثيرة.. إذ تقول ما لا تفعل.

فى مواقف كتلك، ماذا يتعين على وزير الخارجية الأمريكى فعله؟. الدبلوماسى الأمريكى المخضرم، دينيس روس، يرى أن هناك أوقاتًا وأماكن يتعين فيها على الوزير التعبير، سواء سرًّا أو علنًا، عن درجة من الغضب. لكن بلينكن لا يُظهر غضبًا، بل هدوءًا. ثم يخرج على الإعلام ليقول: «علينا أن نستمر فى المحاولة. إنها عملية تفاوضية طويلة». وعلى هذا الأساس يواصل رحلاته ومكالماته وخطبه ليحصد الفشل تلو الفشل.

ليس غريبًا أن يبدو هذه الأيام هزيل الجسد، شاحب الوجه. موقع« بوليتيكو» الأمريكى تساءل: هل بلينكن لطيف أكثر من اللازم ليكون وزيرًا للخارجية؟، الوزير رد: «معظم مَن تولوا المنصب لم يصلوا إليه لأنهم لطفاء. أعرف كيف أكون صارمًا عند الحاجة». الوقائع على الأرض لا تدعم ذلك. لم يعبر عن غضبه تجاه نتنياهو، ولو مرة واحدة.

إنه أشبه بموظف أكثر من كونه مديرًا له مواقف ملموسة. حياته العملية تخلو من الإثارة، لدرجة أن مؤسسة إعلامية أمريكية ألغت برنامجًا وثائقيًّا عنه لأنها لم تعثر على مواد مثيرة للاهتمام بشأنه.

مجلة «تايم» نشرت، فى يناير الماضى، صورته على الغلاف، مع تقرير مطول عنه. أشار التقرير إلى أنه خلافًا لسلفه، مايك بومبيو، الذى تعهد بإعادة التبجح لوزارة الخارجية أو الوزراء المشاهير كهيلارى كلينتون وجون كيرى أو أصحاب الخلفية العسكرية مثل كولين باول، فإن «بلينكن» نتاج بيروقراطية الدبلوماسية الأمريكية.

ظل يعمل بالحكومة 25 عامًا، إلى أن أصبح نائب وزير خارجية زمن أوباما، ثم ترك المنصب 2017، وعمل بمكتب استشارات سياسية، جامعًا ثروة بلغت 10 ملايين دولار ليعود عام 2021 وزيرًا للخارجية مع بايدن.

رمادى ليست له كاريزما أو لمسة شخصية. يقول المقربون منه إنه شديد الهدوء واللطف. هل يؤهله ذلك للمنصب؟، وهل ينفع الهدوء والكياسة مع شخصيات شديدة الغطرسة والتشدد والتنمر والعدوانية مثل نتنياهو؟.

الأمر لا يتعلق بالسمات الشخصية فقط. آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسى السابق، يرى أنه رغم كون «بلينكن» هو الوزير، فإن الأوراق التى بحوزته أقل أهمية. مدير المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، مسؤول عن محادثات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وعاموس هوكشتاين عن تهدئة التوترات اللبنانية الإسرائيلية، وديفيد ساترفيلد عن الوضع الإنسانى بغزة.

من المفترض أنه يشرف على كل هؤلاء، لكن «ميلر» يشير إلى افتقاره إلى هدف ملموس خاص به. بايدن لا يعطيه الصلاحيات للضغط على إسرائيل. صورته تتعرض للكسر.

الإسرائيليون يواصلون إهانته، رغم تلبيته كل مطالبهم، والفلسطينيون يتهمونه بتجاهل أنهم بشر كالإسرائيليين. دبلوماسيون داخل وزارته يهاجمونه، ويطالبونه بانتقاد إسرائيل علنًا. الشرق الأوسط لم يتغير بعد زياراته. على العكس ساءت الأمور.. ومذبحة رفح الوشيكة دليل صارخ.

عبدالله عبدالسلام – المصري اليوم

Exit mobile version