سبع ركعات في الجامعة الأمريكية

صليت العشاء أربع ركعات بكامل فرائضها وواجباتها وسننها وهيئاتها، وفوقها ثلاث ركعات الوتر أيضًا، فلن أترك فرصة للعفن أن ينتصر على قراري بالصلاة في الجامعة الأمريكية، ثم صدعت لأكمل المناقشات الدائرة ورأيي في المسرحية، ولكني كنت مشغولا بالمسرح أكثر من المسرحية، فقد كان الباب يغلق من الخارج وغير مسموح بالخروج من المسرح طوال مدة العرض، ولم أشأ أن أخبرهم أني طوال العرض كان يتملكني القلق بل والاختناق من جراء غلق الباب من الخارج، فقد كنا قريبي عهد من حادث فاجعة احتراق عدد كبير من الجمهور والممثلين في بني سويف عندما اندلعت النيران من جراء بعض الاستعراضات التي تشعل فيها النار التي أمسكت بالديكورات ووقعت الكارثة..

فطوال مدة العرض في مسرح الجامعة لست حرا إذا اتخذت قرار الخروج لو شعرت بالاختناق حتى ولو لم يحدث أي شيء يقلق، لكن في المسجد في أسفل المبنى كان يمكنني أن أتركه بسبب الروائح الخانقة الناتجة من عزلته وإهماله..

صدقني هذا الدرس الذي أظن أنه يختصر في سخرية نموذج الثقافة الأمريكية”

هكذا وصف الكاتب الروائي محمد شمروخ كيف صلى في الجامعة الأمريكية أثناء وجوده لحضور مسرحية، استجابة لدعوة من إحدى صديقاته.

وتعد هذه القصة الأولى ضمن مجموعته القصصية الأخيرة التى تحمل نفس العنوان (7 ركعات في الجامعة الأمريكية)، وتحتوي على 18 قصة قصيرة من بينها “كل شيء هنا جميل باستثناء وردة خليل” و”خاتمة شيرين السقراطية” و”حكاية هروب زبيدة ” و”أهي سلمى خلعت الحجاب” و”لونها بنت بواب” و”بنت لكن تعجبك” و”بنت الأستاذ يا أوغاد”…

ودعوة حضور مسرحية بمقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فتحت بابا للمقارنة بين فخامة قاعة العرض وزاوية الصلاة المهملة في الجراج، وهنا تذكرت رحلتي الأخيرة الى “ليتل روك” عاصمة ولاية أركنساس بالولايات المتحدة الأمريكية، حين كنت في زيارة لمريض في المستشفى وظللت أبحث عن مكان للصلاة ووجهتني كل الأصابع حينها إلى مكان واحد في الدور الأول وحين دخلت فوجئت أنه كنيسة مصغرة تصطف بها الكراسي ولوحات العذراء الساحرة على الجدران وبيانو خشبي أبانوس في أحد الزوايا، ولن أخفيك سرًا عزيزي القارئ فقد ترددت لبضع ثوان ثم دأبت وعزمت على الصلاة فجميعها بيوت الله، ثم فتحت بوصلة الصلاة على الموبايل وفردت السجادة وصليت وشعرت براحة نفسية لم أعرف سببها إلى الآن!

واللافت للقارئ أن الخيط الحرير المشترك الذي نسج به “شمروخ” مجموعته القصصية هي المرأة، في مواقف مختلفة ما بين قصص غرامية أو حكايات إنسانية أو وقائع مجتمعية، على الرغم من استقلال كل قصة منفردة بأجوائها الخاصة بها سرديًا والتى تتأرجح بين الواقعية أو الخيال البحت للمؤلف.

ومما لا شك فيه أن القصة القصيرة فرضت نفسها على الساحة الأدبية ونجحت كلون أدبي مميز، أصبح متسقًا مع منتجات العصر الراهن وإفرازات السوشيال ميديا التي يغلب عليها الاختصار والتبسيط.

وجاءت لغة المؤلف متفردة، وكأنها مزيج من العامية والفصحى حتى أصبحت عامية متأنقة أو فصحى “كاجوال”، ولكنها في كل الأحوال لغة سلسة قريبة من القارئ، وكأنها أقرب لـ “سكريبت” سيناريو مصنوع بحرفية وجاهز على التقديم.

فالحبكة الدرامية لكل قصة طرحها المؤلف تتكون من جملة مركزية تكون هي العنوان على الأرجح، ثم يأتي الفعل ورد الفعل وذروة الحدث، ومن ثم تتمة القصة، وهنا تنتقل الكتابة بتلقائية من خيال الكاتب إلى خيال القارئ.

وقد استطاع الكاتب ببراعة منح القارئ أكبر كم من المعلومات السريعة حول المكان والزمان وطبيعة الشخصيات لكل قصة بصورة مشوقة تجعله على دراية بالأحداث حتى إنه يمكنه استكمال الأحداث دون اكتمال السطور أو الصفحات وهو الأسلوب الذي استخدمه الكاتب الأمريكي كورت فونيجت جونيور الأبرز في كتابة النثر القصصي، وكانت أبرز مؤلفاته “البيانو الآلي” و”فطور الأبطال” و”حوريات تيتان”.

ولم يتبق إلا أن ندعو الله بقراءة شهية لكم وصلاة مقبولة للأستاذ محمد شمروخ.

د. هبة عبدالعزيز – بوابة الأهرام

Exit mobile version