زاد عدد سكان مصر مليون نسمة خلال 250 يوما، بينما تواجه البلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ما يثير التساؤلات حول تداعيات القفزات المليونية السنوية على الاقتصاد المصري، وتأثير ذلك على البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهو ما يوضحه مختصون تحدث معهم موقع “الحرة”.
زيادة مليونية
الخميس، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلوغ عدد سكان مصر بالداخل 106 مليـون نسمة.
ومع بلوغ عدد السكان 106 مليون نسمة، تكون مصر قد حققت زيادة سكانية قدرها مليون نسمة خلال 250 يوما، حسبما ذكر البيان.
وفي 3 يوليو 2023، كان عدد سكان مصر بالداخل يبلغ 105 مليون نسمة، خلال 245 يوما، وفقا لما أعلنته الساعة السكانية بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبلغ عدد المواليد 1.399 مليـون خلال الفترة من 3 يونيو 2023، إلى 8 فبراير 2024، بمتوسط 5599 مولودا يوميا، و233 مولودا كل ساعة، و4 مواليد تقريبا في الدقيقة، بما يعني مولود كل 15.4 ثانية.
ما الأسباب؟
في حديثها لموقع “الحرة”، توضح أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي)، هويدا عدلي، أن مشكلة الزيادة السكانية مرتبطة بـ”أسباب جوهرية، وليس مجرد إقناع المواطنين بتنظيم الأسرة”.
وتشير عدلي إلى أن معدلات النمو السكاني تكون أعلى في “ريف الوجه القبلي”، ما يستدعى “توفير تنمية حقيقية في محافظات الصعيد، وتحسين جودة ونوعية التعليم، وتوفير فرص عمل لائقة للنساء والفتيات”.
ومن جانبه، يرجع أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، استمرار الزيادة المليونية في مصر إلى “فشل الإجراءات الحكومية في التعامل مع الأزمة السكانية”.
ويشير أستاذ علم الاجتماع السياسي إلى أن زيادة معدلات الإنجاب ترجع لـ”ثقافة مجتمعية شعبية”، منتشرة بين الطبقات الاجتماعية “الفقيرة”، والتي ترى في كثرة الأبناء “عزوة ومدعاة للفخر”.
وفي مواجهة تلك الأزمة لم تتخذ الحكومة المصرية “إجراءات عقابية حقيقية”، مثل “منع الزواج لمن لا يحمل شهادة محو الأمية”، أو “وضع عقوبات وضرائب على من ينجب ثلاثة أطفال”، حسبما يؤكد صادق.
ويرى أن “الحكومة لا تمتلك الشعبية أو القدرة على الاشتباك مع الجذر الأساسي للمشكلة وحله، ما يساهم في تفاقم الأزمة السكانية التي تؤثر سلبا على “التنمية الوطنية”.
وحاول موقع “الحرة” التواصل مع وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، لتوضيح الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية لمواجهة تلك التحديات والتعليق على الأمر، لكنها لم ترد على محاولات الاتصال.
وتواصل موقع “الحرة” أيضا مع المتحدث باسم وزارة التخطيط، محمد العقبي، لكنه طلب العودة إلى المركز الديموغرافي التابع للوزارة.
ولم ترد مديرة المركز الديموغرافي التابع لوزارة التخطيط، أميرة تواضروس، على الرسائل المرسلة إليها ولا على المكالمات الهاتفية.
ما تأثير الزيادة السكانية على الاقتصاد؟
مع عدد سكان يبلغ 106 ملايين نسمة، فإن “مصر هي البلد العربي الأكبر ديموغرافيا والثالث في إفريقيا بعد نيجيريا وإثيوبيا”.
وتشير تقديرات إلى أن نحو 60 بالمئة من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه، وفق وكالة “رويترز”.
ويوضح الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، أن “مصر تحتاج لتحويل معدل النمو السكاني إلى السالب لتوفير تنمية بشرية حقيقية في ظل الموارد المحدودة المتاحة بالبلاد”.
وفي الوقت الحالي “لا يوجد إيجابيات للثروة السكانية لأنها غير مسلحة بتعليم جيد ورعاية صحية مناسبة وسكن آدمي، وفق حديث نافع لموقع “الحرة”.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومة المصرية نجحت خلال الفترة الماضية في “خفض معدل النمو السكاني، لكن ذلك مازال ليس كافيا”.
ويؤكد أن “الفئات المحتاجة والفقيرة هم الأكثر إنجابا ما يزيد من نسب السكان تحت خط الفقر بمتوالية هندسية سريعة جدا”.
ويشدد الخبير الاقتصادي على أن “موارد مصر مفتتة لأنها موزعة على عدد كبير جدا من السكان”.
لكن الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، ينفي كون الزيادة السكانية “نقمة اقتصادية تلتهم مخرجات التنمية”.
والقدرة على جذب الاستثمار تتعلق بـ”عدد المستهلكين”، ولذلك فالتعداد السكاني “أحد عوامل التنمية بشرط أن يحسب استخدامه”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشير عبدالمطلب إلى أن “تحويلات المصريين العاملين بالخارج تسجل أهمية كبرى في تحقيق التوازن داخل ميزان المدفوعات”.
وتحويلات المصريين بالخارج تضاعفت 3 مرات خلال 13 عاما فقط، ففي عام 2010 كانت تبلغ حوالي 9 مليار دولار، وبلغت 36 مليار دولار عام 2022، رغم جائحة كورونا وما تبعها من أزمات، وهو ما يزيد عن قيمة الصادرات المصرية الكلية خلال نفس العام، وفق عبدالمطلب.
وحاليا، يتردد مصريون بالخارج في إرسال مدخراتهم المالية إلى بلادهم عندما يكون سعر العملة منخفضا بفارق كبير عن قيمتها في السوق السوداء وذلك مع استشراء التضخم.
وهوت تحويلات العاملين بالخارج بما قيمته 9.85 مليار دولار في السنة المالية التي انتهت في 30 يونيو، ثم انخفضت 1.93 مليار دولار أخرى في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وفقا لأرقام البنك المركزي.
ويتحدث عبدالمطلب عن أخطاء هيكلية في إدارة الموارد المصرية، سوء الطبيعية أو البشرية.
ويقول: “من غير المعقول أن يعيش المصريون على شريط ضيق على طول نهر النيل، ويتم الجور على الأرض الزراعية، ولا يتم توجيه تنمية المجتمعات العمرانية الجديدة نحو الصحراء”.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أنه كلما زاد العنصر البشري زادت القدرة على تحقيق التنمية، بشرط “تأهيل القوى البشرية بشكل جيد يفيد الاقتصاد”.
ويشدد على أن “تقليل نسبة المواليد، وتخفيض عدد السكان، لا يؤدي لتنمية اقتصادية ووفرة في الإنتاج”.
ويصف الخبير الاقتصادي السكان “مورد اقتصادي مهم، ومشجع على الإنتاج وجذب الاستثمار، واختراع آليات إنتاجية أفضل صناعيا أو زراعيا”.
أما الباحث في الاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، فيصف الزيادة السكانية بـ”سلاح ذو حدين”، يمكن استخدامها في التنمية والإنتاج، وقد تكون “عبئا” على الدخل القومي وتوزيع الثروة بين المواطنين.
والزيادة السكانية “سلاح فعال” لتحقيق التنمية والتطور في الكثير من الدول، ويتميز الشعب المصري بأن غالبية السكان من “الأيدي العاملة الشابة”، ما يمثل “فائدة اقتصادية في حال وجود تنمية مجتمعية حقيقية”، وفق حديث الديب لموقع “الحرة”.
وفي حال عدم الاستفادة من الثروة البشرية الشبابية، وإشراك الشباب بالتنمية، فإن ذلك ينتج “عبئا إضافيا على الدخل القومي، وبالتالي تؤدي الزيادة السكانية لتضرر الاقتصاد بشكل كبير”، حسب الديب.
تحديات كبيرة
أعداد المواليد الحالية التي تتجاوز 2 مليون مولود سنويا، تمثل تحديا كبيرا في شتى المجالات اقتصاديا، واجتماعيا، وبيئيا، وعلى المستوى الأمني أيضا وتستنزف موارد الدولة وتقف عائقا أمام جهود رفع مستوى المعيشة في ظل الأزمات التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، وفق بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وتشير عدلي إلى أن زيادة معدلات السكان تؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري، وفي مصر توجد “موارد نادرة ومحدودة”، يتم توزيعها على عدد كبير من السكان، حسب عدلي.
وتؤكد أن الكثافة السكانية المرتفعة تؤدي لـ”تسرب بعض الأطفال من التعليم، أو تقديم جودة تعليمية متدنية”.
ويقود ذلك إلى “اتجاه بعض الأسر لإلحاق أطفالهم الذكور بالعمل المبكر، وتزويج الفتيات في سن مبكرة”، وفق أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
أما صادق فيشدد على أن الزيادة السكانية المرتفعة تؤثر سلبا على “معدلات التنمية، وجودة الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية المقدمة للمواطن، وتفاقم أزمة البطالة بالبلاد”، في ظل الوضع الاقتصادي المتفاقم من الأساس في مصر.
وهناك تداعيات سياسية واجتماعية للزيادة السكانية، وقد تقود إلى “إضرابات بالمجتمع، وعدم استقرار سياسي، وزيادة نسبة الجرائم”، حسب أستاذ علم الاجتماع السياسي.
وتعاني مصر من أزمة اقتصادية ونقص مزمن في العملة الأجنبية، وأجرت محادثات مع الصندوق على مدى الأسبوعين الماضيين لإحياء وتوسيع اتفاقية القرض الموقعة في ديسمبر 2022.
وتراجعت صادرات الغاز الطبيعي ملياري دولار على أساس سنوي في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وفقا لبيانات البنك المركزي وذلك نتيجة انخفاض الإنتاج المحلي وانخفاض الأسعار العالمية.
وبلغت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي في السنة المالية 2022-2023 زهاء 7.20 مليار دولار.
وتباطأت، بسبب الحرب في غزة، السياحة التي حققت رقما قياسيا بلغ 13.63 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023.
ودفع نقص العملة الصعبة في البلاد بنك “جي بي مورغان” في وقت سابق من الشهر الحالي إلى استبعاد مصر من بعض مؤشراته.
كما خفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”، مشيرة إلى مخاوف بشأن التمويل الخارجي والفارق بين سعر الصرف الرسمي وفي السوق الموازي.
وائل الغول – الحرة