في يونيو عام 2022 فجر أحد أعضاء الحزب الجمهوري لولاية تكساس عبارة تُطرح اليوم بكل ثقل في مختلف وسائل الاعلام الأمريكية والأجنبية مفادها رغبة هذه الولاية في الانفصال عن كتلة الولايات المتحدة الامريكية التي تضم اليوم 50 ولاية من ضمنها تكساس التي تعتبر واحدة من كبريات الولايات ومن أغناها في إنتاج النفط والغاز والمعادن الأخرى. فهل يتم هذا الانفصال كما حدث مع الاتحاد السوفيتي عندما تمكنت المخابرات الأمريكية والغربية من تفتيت تلك الكتلة الجغرافية والقوة البشرية والاقتصادية والثقافية خلال العقود الثلاثة الماضية؟؟
الارهاصات في هذا الشأن عديدة منها طلب الحزب الجمهوري في المجلس التشريعي بإجراء استفتاء في عام 2023 للانفصال عن الولايات المتحدة، وبإصدار قانون يؤكد حق الولاية في الانفصال. فهل من المتوقع أن تتحقق رغبة هذه الولاية في الانفصال، وهي تعتبر ثاني أكبر الولايات من حيث المساحة في أمريكا؟.
الأدبيات التاريخية تشير إلى أن تكساس حتى عام1821 كانت ولاية مكسيكية تستوطنها قبائل الأباتشي والكومانشي، إلا أنها في عام 1836 أعلنت عن تأسيسها «جمهورية تكساس» وانفصالها عن المكسيك، ولكن نتيجة للاوضاع الاقتصادية السيئة التي مرت بها لمدة عقد تقريباً، فانها أعلنت عن انضمامها إلى الولايات المتحدة في عام 1845، حيث شهدت تلك الفترة حربا أهلية بأمريكا التي انتهت عام 1865 حين سجلت خسارة كونفدرالية للولايات الجنوبية، ومن بينها تكساس، الأمر الذي أدى إلى إعادة دمج العديد من الولايات، وأعُيدت لاحقا منظومة الاتحاد الامريكي عام 1870.
ومنذ فترة طويلة فان أزمة الهجرة على حدود ولاية تكساس الأمريكية مع المكسيك تؤجج الحياة بهذه الولاية نتيجة للصراع القائم بين معظم أعضاء الحزبين الجمهوري الذين يرفضون هذا الأمر، والديموقراطي الذي يؤيدون ذلك، في الوقت الذي يحذّر فيه البعض بأن الوضع يمكن أن يتدهور نتيجة لوجود أسلحة مع الأمريكيين. والأزمة الأخيرة ناجمة بسبب رفض حاكم ولاية تكساس تنفيذ قرار المحكمة العليا للبلاد بالسماح للسلطات الفدرالية بإدارة الحدود، الأمر الذي يتطلب من قوات الولايات بعدم التدخل في هذا القرار، في الوقت الذي يزداد فيه عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى هذه الولاية ومن ثم إلى الولايات الامريكية الأخرى. والمشكلة في هذه الأزمة أنها تأتي في عام سوف يشهد فيه انتخابات رئاسية. وهذا الحدث يشكّل سابقة جديدة وبالغة الخطورة بألا يؤدي إلى المواجهة بين ولاية تكساس والحكومة الفدرالية نتيجة دخول آلاف أشخاص غير الشرعيين إلى أمريكا، وعدم تمكن تكساس من تأمين حدودها من الغزو غير الشرعي، الأمر الذي يؤكد بأن الولاية ترفض كليا سياسات إدارة الرئيس جو بايدن، وترفض الامتثال لقرار المحكمة العليا بإزالة الحواجز والأسلاك الشائكة على طول الحدود. اليوم فان مشكلة الهجرة غير الشرعية تؤجج هذا الصراع الذي يلقي دعما من عدة ولايات أخرى بجانب تكساس، بجانب الدعم المقدم من قبل بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي في الحكومة الفدرالية.
ويرى بعض المراقبين بأن الوضع الحالي هو جزء من الصراع الانتخابي بين الحزبين، في الوقت الذي يؤيد فيه الرئيس السابق دونالد ترامب تصرفات حاكم ولاية تكساس بالتحكم على الحدود ودعم تصرفاته. واليوم نجد أن أكثر من 25 ولاية أمريكية تؤيد ولاية تكساس، الأمر الذي يزيد من النزاع على السلطة أيضا، بجانب ارتفاع حالات الهجرة غير الشرعية لأمريكا، حيث تحتل هذه القضية مرتبة أولى في قائمة أولويات الناخبين الأمريكيين، متقدمة على الصعوبات الاقتصادية. وهناك عدة ولايات أمريكية تفكّر اليوم بمغادرة الولايات المتحدة وليس فقط تكساس وحدها، لتشمل كلا من أوكلاهوما وأريزونا ونيو مكسيكو المجاورة، الأمر الذي يمكن أن يحدث انقساماً اجتماعياً في هذه المنظومة.
إن مساعي تكساس بالانفصال من الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت في تسعينيات القرن الماضي، واليوم فان الأصوات الداعية لهذا الانفصال تتعالى. ويرى البعض بضرورة إجراء استفتاء غير ملزم على الانفصال لهذه الولاية عن الاتحاد، بينما نجد أن دستور الولايات المتحدة لا يمنع أية ولاية أمريكية من ترك الاتحاد، إلا أن المحكمة العليا ترى بأن الاتحاد بين تكساس والولايات الأخرى هو اتحاد كامل ودائم ولا يمكن حله، أي أن الأمر يرجع إلى الحكومة الأمريكية للانفصال. كما يتعين أن تحصل تكساس على اعتراف الأمم المتحدة بها كدولة مستقلة، واضطرارها إلى إنشاء نظم مالية واقتصادية ودفاعية لها بجانب توقيع اتفاقات تجارية خاصة بها، الأمر الذي يشكّل عقدة للخروج. وبعض الخبراء يرون بأن تأسيس دول مستقلة كموضوع تكساس أمر غير واقعي من الناحية العملية. واخيراً فان الأصوات الأكثر اعتدالا دائما ما يكون لها الوقع الأكبر على المدى الطويل.
الكل يعلم أهمية ولاية تكساس التي تعد واحدة من أهم الولايات في تحديد هوية أي رئيس أمريكي قادم. كما أنها واحدة من كبريات الولايات مساحة، وتأتي في المرتبة الثانية بين 50 ولاية أمريكية أخرى في هذه المنظومة. ومن هذا المنطلق يرى الخبراء بأن نجاح تكساس في الانفصال عن الاتحاد الأمريكي سوف يشجع ولايات أخرى في هذا الشأن. وهذه العملية تتكرر كلما تولى رئيس ديمقراطي الحكم في البلاد. فهل يا ترى ستعزز تكساس توجهاتها بالانفصال عن الحكومة الفيدرالية الامريكية إذا ما فاز بايدن في الانتخابات المقبلة؟
د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الشرق القطرية