لاتحكم على الناس بماتسمع.. حكاية “عماد” الذي توفي قبل دخوله لكلية الطب جامعة الخرطوم

كم نخطئ عندما نقيّم الآخرين على ضوء أحكام الغير وانطباعاتهم الشخصية عنهم.
كنت سنيها طالبا في مدرسة سنار الثانوية، ومنذ يومي الأول حذرني صديقان من (عماد)!
-(أنه عين المدير وناقل كل أخبار الطلبة اليه) هذا ما قالاه لي، وهو ما يتهمه به كل الزملاء!…
وبالفعل لقد رأيته يكثر الدخول والخروج الى مكتب المدير والوكيل!

ويندر أن يمر المدير أو الوكيل بمقصف المدرسة الاّ ويتوقفان بجانبه فيحادثانه في مودة!…
عماد كان وسيما وبائن النعمة اذ يعد والده من أكبر تجار الموز في الدمازين…

استعداه مرة زميلنا علي المُكنّي بكلاي وضربه فالقاه أرضا ، ويومها غضب المدير غضبا شديدا على علي وطلب من الصول عقابه في الطابور الختامي بعشرين جلدة واتبع ذلك الزامه بأحضار وليّ أمره!…

بدا لي عماد يجهد في استمالتي وكسب صداقتي لكنني بقيت أتحاشاه استصحابا للسمعة التي لصقت به وقد أهداني مرة طقم اقلام حبر باركر ورفضت الهدية فدمعت عيناه ولم يقل شيئا…

وفي مساء ذات اليوم طرق الباب حيث اقيم فجاءني الصغار وأعلموني بأن هناك من يسال عني…
خرجت فإذا به عماد…
وقفت أسد بجسدي فرجة الباب دون أن أدعوه الى الدخول ودار بيننا الآتي:
-أيوة في شنو؟
-ياعادل ياخي قول لي أتفضل الأول؟!
-ياخي داير شنو أنا مشغول قاعد اذاكر

-عادل أنا عاوز أذاكر معاك.
-ياخي انا ماداير أذاكر معاك أمشي شوف ليك زول تاني ذاكر معاهو.
ولم يرد علي ابدا إنما كان مطرقا طوال الوقت، فواصلت حديثي اليه:

-ياخي أنت لو داير تصادق الناس وتتداخل معاهم، مالك بتقعد تتجسس عليهم وتبلغ المدير والوكيل عن اسرارهم؟!
-اتجسس علي منو ياعادل ووين؟!

-ياخي انتا ماقاعد تتجسس علي الزملاء في المدرسة وتنقل أخبارم لي المدير؟
أحسست بأنه يوشك على السقوط على الأرض فاعتمد بيده على الجدار وتناثرت كتبه حيث جلس على الأرض بصعوبة!
-يازول مالك؟!

-عادل بالله اسندني أنا عندي سُكّري والظاهر النوبة حتجيني بعد شوية…
فما كان مني إلا أن وضعت يمينه حول عنقي ثم حملت كتبه بيسراي وسرنا معا الى أن أوصلته الى بيت شقيقته وهي زوجة تاجر كبير في سنار حيث جاءتنا وهي تحوقل ثم أدخلناه الى داخل الدار فأتته بحقنة وغرستها في جسده فنام…

أخبرتني شقيته بأن عماد مصاب بالسكري منذ ولادته ويعيش على هذه الحقنة كل يوم!…
وأقسم لي عماد بعد أن افاق بأنه لم يتجسس يوما على زميل، وما كانت زياراته الى مكتب المدير أو الوكيل الاّ بغرض متابعة حالته الصحية !

ما كان مني إلا أن صادقته وأخبرت كل الزملاء بأنهم قد ظلموه واساؤا الظن به…
أقسم لكم، لم أجد زميلا في تقوى عماد أو صلاحه وسمو أخلاقه!…

لم يعش عماد طويلا، فقد أختاره الله الى جواره بعيد أدائنا لامتحان الشهادة بشهر وقبل أن تظهر نتائجها،ويوم ظهرت كانت نسبته تؤهله لدراسة الطب في جامعة الخرطوم.

رحمك الله ياعماد رحمة واسعة وجعل الفردوس الأعلى مثواك، إن الله ولي ذلك والقادر عليه.

عادل عسوم

adilassoom@gmail.com

Exit mobile version