المتطلبات الأساسية لإشراك المواطنين والمجتمع المدني

يركز ابن خلدون في منظوره الفكري على العلاقة بين المواطنين والسلطة الحاكمة، وأهمية العمل المشترك بينهما، وهذا ما نشهده في وقتنا الراهن، خاصة في ظل الانعكاسات السلبية للنفايات على مدننا، لذا وجب بناء علاقة مستدامة بين البلديات وسكانها لإشراكهم بشكل فعال في مجال تسيير النفايات.

لتحقيق ذلك؛ يجب تعزيز الثقة، والتنسيق والمسؤولية المشتركة بين البلدية وسكانها، من خلال التوعية والتحسيس عن أهمية إدارة النفايات، بالإضافة إلى توفير الوسائل اللازمة للتخلص منها وتقديم حوافز للمشاركة الفعالة للسكان في هذا المجال.

في سياق متصل، يمكن للبلدية أن تعمل على تجسيد برامجها المتعلقة بمجال تسيير النفايات، من خلال تعزيز التواصل بين الطرفين والمشاركة الفعالة للسكان، كما سيساهم هذا النموذج التشاركي في خلق روح المسؤولية واكتساب السكان السلوكيات المثالية في مجال إدارة النفايات.

وبشكل عام، فإن المنظور الفكري لابن خلدون عن أهمية العلاقة والعمل المشترك بين المواطنين والسلطة الحاكمة، يتماشى مع ضرورة بناء علاقة مستدامة بين البلديات والسكان في مجال تسيير النفايات. هذا العمل المشترك لن يساهم في التسيير الفعال للنفايات فحسب، بل سيعزز خلق روح المسؤولية المشتركة والاعتماد على السكان كشريك فعال في هذا المجال.

إن التحسيس حول أهمية تسيير النفايات أمر أساسي، فمن الضروري إعلام وتوعية الأفراد بالانعكاسات الوخيمة الناجمة عن التصرفات والسلوكيات السلبية في مجال النفايات، وكذا تسليط الضوء على فوائد وامتيازات الإدارة الفعالة. ولبلوغ هذا الهدف؛ يجب العمل على إعداد حملات تحسيسية وتربوية محلية في مجال إدارة النفايات لفائدة الجمهور العريض. ستساهم هذه الحملات في توعية الأفراد عن الانعكاسات الوخيمة المترتبة عن الممارسات السلبية في مجال إدارة النفايات كتلوث المحيط واستنزاف الموارد.

على صعيد آخر، يجب أن تركز هذه الحملات على امتيازات وفوائد الإدارة الفعالة للنفايات، والمتمثلة في الحفاظ على الموارد والتقليل من حدة التلوث، بالإضافة إلى خلق فرص اقتصادية محلية. وخير دليل على ذلك؛ أهمية الفرز الانتقائي للنفايات، الذي يساهم في تحويلها إلى مورد بدلا من التخلص منها في مراكز الردم التقني، الذي يشجع على خلق فرص عمل مستدامة للمجتمع المحلي.

إن تسليط الضوء على هذه الامتيازات، سيساهم في تشجيع وتحفيز السكان، كما يزيد من مشاركتهم الفعالة، ومضاعفة جهودهم في إدارة النفايات، ومن الضروري أيضا أن تبرز وتثمن البلديات جهود ودور المواطن في نظافة المحيط.

بالإضافة إلى الحملات المحلية، من الضروري أيضًا أن تزود البلديات الأفراد بالأدوات والموارد العملية لمساعدتهم على المشاركة الفعالة في إدارة النفايات في حياتهم اليومية، ويشمل ذلك مفاهيم عن الطرق والأساليب المناسبة للتخلص من النفايات، فضلاً عن مدى توفر المرافق والمعدات للتخلص منها، بالإضافة إلى تنظيم مختلف المبادرات في إقليم البلدية.

ومن بين الجوانب الأساسية لنظام تسيير النفايات؛ هو توفير حاويات مخصصة لذلك في الأماكن العامة والسكنية. وفي حالة تجسيد برنامج إعادة تدوير النفايات المنزلية، يجب على البلديات تزويد السكان بحاويات تحمل بطاقات واضحة لأنواع مختلفة من المخلفات التي سيتم فرزها، مثل المواد القابلة لإعادة التدوير والعضوية، وأنواع أخرى مختلفة من المواد غير المرغوب فيها؛ وهذا يساعد على تشجيع الأفراد على فرز مخلفاتهم البيئية والمنزلية والتخلص منها بشكل صحيح وبكل سهولة.

بالإضافة إلى الحاويات، يجب على البلديات أيضا أن تحدد نقاطا مناسبة للتخلص من أنواع خاصة من النفايات، مثل الإلكترونية أو المواد الخطرة، فضلا عن وجوب اختيار مواقع إستراتيجية، يمكن الوصول إليها بسهولة للتخلص من شتى أصناف المخلفات، كإنشاء وتجهيز مراكز جوارية. يجب على البلديات أيضا، ضمان جمع منتظم للنفايات والتخلص منها بطرق مناسبة، من حاويات ونقاط جمع.

للإشارة؛ فإن خدمات جمع النفايات في الوقت المناسب وبكفاءة لن تساهم في نظافة الأماكن العامة فحسب، بل تعمل أيضًا على تقوية ثقة المواطنين حول جهودهم ومشاركتهم الفعالة في التخلص من النفايات. ولتشجيع المواطنين على الاستفادة الكاملة من هذه المرافق، يجب على البلديات أيضًا أن تعمل على إعداد حملات للتوعية الخاصة بالأماكن والمعدات المخصصة لتسيير النفايات، إضافة إلى إبلاغ السكان بأيام وأوقات التخلص منها. ويمكن القيام بذلك من خلال قنوات الاتصال المختلفة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والإذاعات المحلية والتظاهرات الجماهيرية.

بشكل عام، ومن خلال ضمان وفرة المنشآت والمعدات الكافية، يمكن للبلديات توفير محيط يدعم ويشجع الإدارة المسؤولة والفعالة للنفايات، وهذا بدوره يسمح لهم بكسب ثقة المواطنين في برنامج إدارة النفايات المنزلية الذي تشرف على تجسيده البلديات.

على صعيد آخر، يتعين على البلدية العمل على تشجيع إشراك السكان في مجال إدارة النفايات، من خلال القيام بمبادرات جماعية. ولتعزيز هذه المشاركة؛ يجب أن تعمل البلدية على تشجيع المواطنين للاجتماع والعمل على تحقيق أهداف مشتركة، ما من شأنه تعزيز الشعور بالوحدة والمصير المشترك بينهم.

لذلك، ينبغي على المجالس الشعبية البلدية تنسيق الجهود مع منظمات المجتمع المدني لتعزيز إشراك المواطنين في مبادرات مشتركة، وبالتالي تعزيز الشعور بالوحدة والعمل الجماعي. وخير دليل على ذلك، تنظيم حملات التنظيف الجماعية والتظاهرات الخاصة بجمع النفايات التي تعتبر من أحسن الطرق والأساليب لإشراك السكان هذه النشاطات، التي ستساهم في نظافة المحيط وتعزز الشعور بالمسؤولية والانتماء لدى السكان من خلال مشاركتهم الفعالة في هذه الحملات.

بالإضافة إلى الحملات التطوعية للتنظيف، تساهم اللجان والمنظمات الناشطة في مجال تسيير النفايات والمكونة من الفاعلين المحليين في تعزيز التعاون وتبادل أفضل السلوكيات، تضم هذه اللجان، السكان، والسلطات المحلية، والمنتخبين المحليين والأطراف المعنية الأخرى المشاركة في مجال تسيير النفايات. كما سيساهم العمل المشترك بين هؤلاء الفاعلين في توعية الأفراد على أهمية تبني سلوكيات إيجابية، والعمل على تحسين البرامج المتعلقة بإدارة النفايات.

وتعتبر هذه اللجان أيضا، همزة وصل لتبادل المعارف، والتجارب والأفكار المبتكرة، في مجال إدارة المواد غير المرغوب فيها. ومن خلال تبادل أحسن السلوكيات والتعرف على قصص النجاح في هذا المجال، سيستفيد الأفراد من بعضهم البعض، وسيشاركون في إعداد الاستراتيجيات الفعالة التي تستجيب لحاجيات المجتمع المحلي.

وتعمل اللجان الناشطة في مجال تسيير النفايات، كحلقة وصل بين السكان والسلطات المحلية، كما يمكن لهذه اللجان أن تنقل انشغالات المجتمع في مجال إدارة النفايات للسلطات المختصة، والعكس صحيح.. وسيساهم هذا العمل المشترك في إعداد مخططات أكثر كفاءة وفعالية في مجال إدارة النفايات للاستجابة للتحديات التي تواجهها المدينة في هذا المجال.

إضافة إلى النقاط المذكورة سابقا، تجدر الإشارة إلى أن تقديم الحوافز والمكافآت يمكن أن يساهم على تشجيع الأفراد، وكذا تعزيز مشاركتهم المستمرة والفعالة في إدارة النفايات. كما يجب أن تعمل البلديات على تنظيم مبادرات مختلفة للتعرف على مدى انخراط ومشاركة السكان في الإدارة المسؤولة للنفايات والعمل على تقديم تحفيزات لهذه المشاركة.

وفي هذا الصدد، ينبغي أن تعمل البلديات على إعداد برامج تشجيعية لفائدة الأفراد، والسكان، والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لتثمين وتشجيع سلوكياتهم الإيجابية في إدارة النفايات، ويتم تشجيعهم من خلال تقديم شهادات تشجيع لإنجازاتهم أو الاعتراف بجهودهم أمام الجميع، بالإضافة إلى تنظيم مناسبات خاصة للاحتفال بإنجازاتهم وتسليط الضوء على سلوكياتهم.

هذه المبادرات لن ستساهم في تقديم امتيازات ملموسة للمشاركين فحسب، بل ستخلق أيضا شعورا بالفخر والاعتزاز لمساهماتهم في ضمان محيط نظيف.

ولبلوغ هذا الهدف، يمكن للبلديات أن تعمل بالتنسيق مع المؤسسات المحلية لرعاية وتنظيم مسابقات أو تحديات في مجال إدارة النفايات، مع إشراك المجتمع المدني والسكان في صنع القرارات المتعلقة بإدارة النفايات المنزلية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبلديات تشجيع المشاركة الفعالة للمجتمع المدني والسكان من خلال إشراكهم في صنع القرار؛ ويتم ذلك من خلال تنظيم جلسات للمناقشات والمشاورات العامة أو المشاركة الفعالة للجان الاستشارية للمواطنين. ومن خلال منح الأفراد صوتًا وإشراكهم في صنع القرارات، ستعمل البلديات على تعزيز الشعور بالمسؤولية لدى السكان، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الدعم والمشاركة في مبادرات إدارة النفايات.

ولهذا السبب، تحرص الأحكام التنظيمية الحالية في الجزائر على ضرورة مشاركة المجالس البلدية المنتخبة في جلسات تشاورية واسعة النطاق مع سكانها بخصوص إعداد مخطط إدارة النفايات المنزلية للبلدية. بالإضافة إلى ذلك، تركز هذه الأحكام على أهمية مراعاة آراء السكان واقتراحاتهم عند تطوير المخطط.

إن الإصلاحات الأخيرة التي أشرف عليها الرئيس عبد المجيد تبون؛ من خلال التطور التدريجي لدمج المجتمع المدني في إدارة القضايا البيئية، لاسيما إدارة النفايات المنزلية من خلال إن إنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني الذي يجسد رغبة الرئيس في تحسين الديمقراطية التشاركية، مع الاعتراف بأهمية مشاركة المواطنين في صنع القرارات.

علما أن المرصد الوطني للمجتمع المدني هو هيئة استشارية لدى رئاسة الجمهورية، يعمل كهمزة وصل تشاورية لسد الفجوة بين السلطات والمجتمع المدني. وبالنسبة للمهام الموكلة له؛ فهو يشرف على تنظيم اجتماعات ومنتديات جهوية لنشر ثقافة الحوار والمواطنة الفعالة المشجعة للتنمية المحلية، وهذه الجهود ليست مجرد إجراءات فحسب؛ بل هي تعمل على ضمان الاستماع لأصوات المواطنين من خلال الأخذ بعين الاعتبار اقتراحاتهم وآرائهم في إعداد مختلف السياسات والبرامج.

ومن خلال إدراج أفكار وخبرات المجتمع المدني في الاستراتيجيات الوطنية والمحلية لإدارة النفايات، ستحقق الجزائر سابقة في إرساء السلوكيات البيئية المستدامة.. ولن يساهم هذا النموذج التشاركي على تحسين الكفاءة والفعالية في برامج إدارة النفايات فحسب، بل سيعزز أيضًا من شعور المواطن بالانتماء والمسؤولية.

تساهم الإصلاحات التي يقودها الرئيس تبون وعلى وجه الخصوص من خلال إنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني، على تشجيع نظام الحوكمة على نطاق واسع في مجال تسيير النفايات، كما تشكل هذه الإصلاحات خطوة هامة وحاسمة في تحقيق الاستدامة في هذا المجال على المدى البعيد.

إن إشراك المواطنين بشكل فعال في إدارة النفايات الحضرية سيساهم في الحصول على بيانات قيمة بشكل مستمر، علما أن هذه البيانات ستؤدي دورا هاما في تحديد التوجهات وتقييم فعالية المبادرات واتخاذ قرارات واضحة وفعالة، يتم استغلالها في إعداد الاستراتيجيات المتعلقة بإدارة النفايات مستقبلا.

فمن خلال تحليل البيانات، يمكن للبلديات ومنظمات المجتمع المدني تحديد التوجهات والحلول، مثل التغيرات الموسمية في إنتاج النفايات أو المناطق التي سجلت أكبر نسبة لشكاوى السكان، التي تساهم في تطوير مبادرات هادفة لرفع التحديات الخاصة بإدارة النفايات.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استغلال البيانات لتقييم انعكاسات المبادرات والبرامج المتعلقة بإدارة النفايات. ومن خلال مقارنة البيانات قبل وبعد تجسيد المبادرات، يمكن للبلديات والمنظمات المحلية تقييم فعالية جهودها لتعزيز تغيير السلوكيات، وكذا تحديد الاستراتيجيات الفعالة والمجالات التي تتطلب المزيد من التحسين.

يمكن للمعارف المكتسبة من تحليل البيانات أن توجه التخطيط المستقبلي لإدارة النفايات، مما يسمح بتطوير استراتيجيات هادفة لمواجهة تحديات محددة، بالإضافة إلى توجيه صنع القرار المتعلق بخدمات جمع النفايات الإضافية أو الاستثمارات في المنشآت والمرافق المتعلقة بمجال إدارة النفايات.

وفي الختام، إن الإدارة الفعالة للنفايات المنزلية في البلديات الجزائرية يعتمد إلى حد كبير على المشاركة الفعالة للمواطنين ومنظمات المجتمع المدني، وهذا ما يعكس وجهات نظر ابن خلدون حول الترابط بين الحكم ورفاهية المجتمع في ضرورة تبني نموذج تشاركي لإدارة النفايات. كما تعد حملات التحسيس والتوعية، بالإضافة إلى وفرة المرافق والحوافز للسلوكيات المثالية وصنع القرارات، أمرا أساسيا لخلق روح المسؤولية لدى السكان وضمان اهتمامهم بالسلوكيات الخاصة بالإدارة المستدامة للنفايات.

في سياق متصل، فإن الاستفادة من البيانات المتحصل عليها من خلال إشراك المواطنين، يمكن أن يساهم في إعداد استراتيجيات أكثر فعالية لتلبية حاجيات المجتمع في مجال إدارة النفايات.

بينما تسعى البلديات الجزائرية إلى تحسين أنظمتها المتعلقة بإدارة النفايات، فمن الضروري أن تستمر في تعزيز علاقتها مع السكان، مع الاعتراف بأن المحيط النظيف والصحي هو منفعة جماعية تعود بالفائدة على الجميع.

أخيرا، يسعدني أن أضع بين أيديكم هذه المبادئ التوجيهية لفائدة البلديات الجزائرية وجميع الفاعلين المعنيين بمجال إدارة النفايات، أنا واثق أن المعلومات الهادفة المقدمة في هذا الدليل تعتبر نموذجا للبلديات لإشراك مواطنيها ومنظمات المجتمع المدني بشكل فعال، ويعد هذا الالتزام ضروريا لضمان نجاعة واستدامة الجهود المبذولة في مجال إدارة النفايات، تعكس رغبة المواطنين في تحسين أسلوب حياتهم من خلال تبني مبادئ الديمقراطية التشاركية التي تحرص على تجسيدها السلطات العليا في الدولة، وأنا على ثقة أن الجزائر مستعدة للمضي قدما نحو مستقبل يتميز بمحيط حضري نظيف وسلوكيات أكثر مسؤولية في مجال إدارة النفايات.

كريم ومان – الخبر الجزائرية

Exit mobile version