الانقلابيون يلعبون بالنار

منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، ومالي، هذا البلد الجار، يعاني من الأزمات المتوالية بفعل التغييرات غير الدستورية. ومع كل انقلاب كانت البلاد تغرق في مستنقع الحرب الأهلية، دافعة الثمن الباهظ من أرواح أبنائها وبناتها، ومقدراتها التي تتعرض، منذ عقود، للنهب والسطو من طرف أطراف أجنبية لا يهمها استقرار مالي وشعبه.

وفي كل مرة، كانت الجزائر تمثل طوق النجاة الذي يتعلق به عقلاء مالي، لمعرفتهم المسبقة بما تكنه لهم من احترام وتقدير بعيدا عن سياسات التوسع والأطماع التي لا تخفيها باقي الأطراف في المنطقة وخارجها. فمنذ 1990، قامت الجزائر بدور الوسيط ونجحت فيه، وتوصلت، بفضل قدرتها على الجمع بين الفرقاء وتغليب لغة العقل على لغة البندقية، إلى اكتساب، مع مرور السنوات، ذلك التقدير لدى عموم الشعب المالي، وجميع مكوناته، وخاصة تلك المتمركزة في الشمال.

وفي كل اتفاق سلام كانت تبرمه الأطراف المالية مع حكومات باماكو المتعاقبة، كانت بصمة الجزائر واضحة، مغتنمة الروابط العائلية التي تؤثر بشكل كبير ومباشر على حياة السكان في شمال مالي وجنوب الجزائر، إذ الحدود بين الشعبين لم يعد لها معنى، وزادت معها أواصر الأخوة وثوقا، فاتحة الباب أمام بناء علاقات قوية لم تتأثر بفعل المؤامرات الإقليمية.

هي أربع اتفاقيات سلام منذ 1990. بمعنى آخر، مع كل انقلاب عسكري كان الانقلابيون يعيدون تدوير نفس الأسطوانة على مسامع الشعب المالي الذي يصدق مرغما مضامينها الغالية من معاني الصدق والمصداقية، مع العزف على وتر الوطنية والحفاظ على السيادة الوطنية التي يسعى العدو المعلوم وغير المعلوم لانتهاكها. وبمجرد تثبيت الانقلابيين حكمهم على أساس هذه الأباطيل والشعارات المضللة، تعود حليمة إلى عادتها القديمة، ممارسة الحكم الفردي والاستئثار بالخيرات والثروات، إلى أن يدب الخلاف مرة أخرى فتنقلب الأوضاع رأسا على عقب، وتعود البلاد إلى نقطة الصفر.

ولا يختلف الوضع اليوم عن البارحة. فالانقلابيون الجدد في باماكو يمارسون نفس العادة، باسم شعار جديد “السياديون الجدد”، وباسم التهديد القادم من الشمال. في السابق، كان التهديد القادم من الشمال ممثلا في فرنسا باعتبارها المستعمر القديم الذي قتل وشرد واستولى ونهب ثروات مالي، وجعل منه بلدا غير قادر على الحياة بمفرده، خاصة أنه ينام على مناجم المعادن النفيسة والطاقة، التي تسيل لعاب الاستعمار الجديد الذي يغير جلده كلما اقتضت الضرورة ذلك.

ومن أجل البقاء في الحكم ولو بطريقة غير شرعية، يهون كل شيء، حتى التضحية بالعلاقات القائمة على الاحترام المتبادل، والاستغراق في علاقات مبنية على التآمر وزعزعة الجيران بافتعال أزمات لن تزيد أوضاع مالي إلا تفاقما، وتدهورا.

الخبر الجزائرية

Exit mobile version