عادل عسوم: إلى حبيبتي رنا في عيد ميلادها اليوم

إنها آخر العنقود، ومشاعر الآباء لآخر العنقود معلومة، والباحثون قد خلصوا كما تقول “يونغ يونيفرستي”، أن الطفل الأصغر بصفة عامة يتعلق بالوالدين باعتباره أضعف أفراد الأسرة بُنية جسدية، فيسعى الجميع إلى حمايته، فيما لا يُدخل الأشقاء الأكبر سناً أنفسهم في دائرة المقارنة بينهم وبين الأخ الأصغر”، لذلك لا يحتاجون إلى تعزيز مفهوم المحبة من قِبل الوالدين بذات القدر، وبالتالي يحصل هو على مراده سواء أكان الأشقاء الأكبر سناً منه يعتبرون المفضلين أم لا.
هذا ما تقوله دراسات علم النفس التربوي.

الطفولة عوالم من براءة وصدق عجيب، و(رَنُّو) -حفظها الله- ومنذ ميلادها أطلت على الدنيا بابتسامة وديعة، وهدوء أصبح لها طبع وسجية من بعد، بل إن ألم المخاض بها لم تحس به أمها إلا قليلا، فكان الوضوع بأيسر ما يكون في مستشفى الولادة والأطفال بمدينة الدمام، وازدانت شقتي في إسكان الدمام بفرح غامر تعداني وأمها إلى الأحباب من اصدقائي ومعارف الاسرة وهم كثر،

ثم بدأت معْمَعَة التسمية، وللعلم فإن لتسمية كل مولود -خاصة البنات-عوالم ينبغي لكل مسلم الإحاطة بالكثير من التفاصيل الشرعية الخاصة بها، وهنا أذكّر بأن مقولة خير الأسماء ماعُبِّدَ وحُمّد ليس بحديث ولا هو قول مأثور، أما الاحاديث الصحيحة التي وردت في شأن التسمية فهي كالآتي:

1- عن سمرة بن جُندب رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏”‏كُلُّ غُلامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ، ويُحْلَقُ، وَيُسَمَّى‏”.

2- وعن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏”‏إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ بأسْمائكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ فأحْسِنُوا أسْماءَكُمْ‏”‏‏
وفي تسمية الذكور:
روى مسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ).
وهناك إضافة في رواية أخرى تقول:
(وأصدقهما حارث وهمّام).

ولعل من أفضل الكتب التي تتحدث عن التسمية وتربية الأولاد بمنظور المنهج الإسلامي كتاب استاذي البروفسور عبدالله علوان وعنوانه (تربية الأولاد في الإسلام)، فيه كل مايتعلق من التفاصيل الشرعية عن تربية الأبناء منذ الولادة.

ولقد كنت من قبل، حالي حال جل رجال السودان -إن لم يكن كلهم- أدَعَ تسمية البنات لأمهن وأتولى تسمية الأبناء، ولا أدري أهي ثقافة عرفية موروثة أم لها أصل ما في يقينياتنا؟!، يومها وجدت أمها محتارة في الإسم، فما كان مني إلا أن جلست استعرض أسماء الإناث وكنت ولم أزل بطبعي شغوفا بالمعاني والمباني، وما أن اركن إلى إسم منها ثم أجد له معنى لاينال مني الرضى في المعاجم اللغوية؛ إلا وأتجاوزه إلى سواه، فأوعز لي قريب لي بأن انحو إلى إسمي شقيقتيها فأجعل الإسم متسقا مع اسميهما، لكننا وجدنا اسم شقيتها الكبرى يبدأ بحرف الألف، والثانية يبدأ إسمها بحرف الواو، فأسقط في يدنا.

وزارني جاري وصديقي السعودي -حمامة مسجد الإسكان- واسمه عادل، وعندما بدت له حيرتي قال بلهجته (الجِدّاوية) المحببة:
سميها رنا واخلص يابُويا، والله يعينك على البامبرز. 😁

فاستلطفت الإسم، وإذا به يصادف قبولا لدى بقية أفراد الأسرة، فيممت إلى مختار الصحاح لأجد:
معنى اسم رنا؛ أدامَ النظرَ إلى شيءٍ ما بسكونٍ وهدوء
يااااه
حقا لقد وجدت الإسم ينطبق تماما على طفلتي وأنا أنظر إلي عينيها، لقد وجدت الهدوء والسكينة تكاد تنفح منهما ومن وجهها البرئ، تماما كما شذى الورود، والطفل في تلك المرحلة المبكرة لايستطيع ادراك كنه الوجوه، لكنه يظل يبتسم حين النظر إليه ويقول أهلنا بأنه (يضاحك الملائكة).

والحق أقول لقد جاءتني رنا بخير عميم، والخير دوما على قدوم الواردين، وأهلنا عادة يقولون في ذلك (كراعا خدرة)، فقد افاء الله على القسم الذي اديره في الشركة السعودية بصفقات كبيرة ووكالات عديدة اصبحنا ممثلين لها في السوق السعودي.

رنا حفظها الله وبارك فيها لم يعهد عنها بكاء الأطفال الكثير البتة، وإن حدث ذلك بين يدي مسعى منها إلى رضاعة؛ فإن صوتها كان ولم يزل من الخفوت بمكان.
تهيأت رنا للدراسة فابتَدَرَتها في الدمام، لكن جاء القرار بأن تنتقل الأسرة الى السودان بسبب تهيؤ اشقائها الكبار لدراسة الجامعات فيه.

وتتالت السنوات كحبات مسبحة في يد شيخ وقور، فإذا ب(رنو) تدرس الطب البشري الآن ومقبلة بتوفيق الله الى العام الدراسي الثاني.

أسأل الله يارنا أن يجعل حياتك كلها رغيدة، وأن يكتب لك النجاحات تلو النجاحات وأنت التي ظللتِ على الدوام في مقدمة صفك ومدرستك، واسأل الله النجاحات والتوفيق لكل البنات والأبناء.

اللهم ياقادر ياكريم، ياذي المعارج، ياواسع العطاء، ويامجيب الدعاء، أسألك بمنك وكرمك وجودك أن تبارك في رنا وشقياتها وفي شقيقيها، وكل من قرأ أو قرأت من رصفائهم من الأبناء والبنات.
انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.

عادل عسوم

adilassoom@gmail.com

Exit mobile version