🔴 استراتيجية الجيش في الخرطوم لا تصلح للتطبيق على مستوى الدولة بكاملها

مليشيا الدعم السريع فشلت في تحقيق هدفها الأساسي وهو هزيمة الجيش والاستيلاء على السلطة ولكنها نجحت ضمن مساعيها التدميرية في تحقيق هدف آخر لا يقل خطورة عن هزيمة الجيش وهو إخراج قطاعات كبيرة من الشعب السوداني من دائرة التأثير السياسي، وبذلك أضعفت الإرادة الشعبية. إن شعباً فقيراً مشرداً سيكون بلا أي تأثير سياسي، وستكون بلده عرضة للاستعمار بكل سهولة، بواسطة حكومات من العملاء.

هنا تكمن خطورة انتقال الحرب إلى المناطق الآمنة المستقرة. فتوسع رقعة الخراب والتدمير في الجزيرة والقضارف وسنار وغيرها سيحول كتلة كبيرة من الشعب إلى فقراء معدمين مسحوقين وبالتالي بلا أي إرادة أو قدرة سياسية وستصبح البلد كلها لقمة سائغة للأعداء والطامعين. لا معنى لهزيمة أوباش الدعم السريع أو حتى إبادتهم بعد تخريب ما تبقى من اقتصاد ونهبه وتدميره. المقاومة الشعبية نفسها ستصاب في مقتل؛ وسيتحول الشعب إلى شعب من الجوعى والمتسولين ينتظرون الإعانات والإغاثات من المنظمات الأجنبية.

بمعنى، فقدان السيادة الحقيقي يكون بتجريد الشعب السوداني من كل ما يملك وتحويله إلى شعب مشرد متسول، وليس من الضروري بالاحتلال المباشر بالطائرات والدبابات من البداية. هذه ليست حرباً عسكرية وحسب؛ هي حرب عسكرية واقتصادية واجتماعية.

على سبيل المثال، أنظر كيف اختفى التأثير السياسي لطبقة سياسية كاملة في الخرطوم طبقة ثورة ديسمبر اللعينة. الشوراع التي كان يُعول عليها لتغيير الدولة تم تدميرها وتجريفها اقتصادياً وسياسياً؛ اختفى ما كان يُسمى بالمجتمع المدني والقوى المدنية وأصبح تأثيره السياسي معدوماً، وذلك كنتيجة مباشرة ليس للحرب بحد ذاتها، ولكن بسبب التدمير والتهجير الذي تولد عنها.

الحرب في الخرطوم أدت إلى تجريف القوى الحديثة على ضعفها وهشاشتها، لأنها هجرت وأفقرت الطبقات الاجتماعية الحاملة لهذه القوى. إنتقال الحرب إلى الولايات يهدد بتدمير الطبقة التقليدية بنفس الطريقة؛ إذا أُفقرت وتشردت هذه الطبقة (بغض النظر عن المعاناة الحالية) فسيصبح السودان مفتوحاً بحق أمام الاستعمار.

حتى لو توقفت الحرب وعاد الناس إلى بيوتهم، (هذا إن عادوا أصلاً) سيكونون في حالة من الضعف وفقدان الإرادة السياسية.

لذلك، معركة الولايات المستقرة والتي لم تتأثر بعد بالحرب وحالات النهب والتدمير الواسعة ليست مجرد معركة عسكرية، ولكنها معركة استراتيجية لا يجدي معها التفكير العسكري التقليدي الذي يركز على كسب المعركة العسكرية بأقل الخسائر العسكرية.

بعبارة أوضح استراتيجية الأرض مقابل القوة؛ أي أن يحتفظ الجيش بالقوة ويترك الأرض للمليشيا ليعمل على تدميرها والتي اتبعها الجيش في الخرطوم هي استراتيجية لا تصلح للتطبيق على مستوى الدولة بكاملها، لو تم تدمير ما تبقى من الولايات نكون قد خسرنا الحرب على المدى البعيد وذلك حتى لو انتصرنا عسكرياً. لذلك لا يمكن أن نسمح بتمدد الحرب إلى مناطق جديدة خصوصاً مناطق الإنتاج مثل المناقل والقضارف وغيرها مهما كلف الأمر.

حليم عباس

Exit mobile version