شكرا.. أحفاد «مانديلا»

جنوب أفريقيا ورثت العدل والإنصاف من «مانديلا»، الذى وقف إلى جوار الشعب الفلسطينى فى كل مآسيه، جربت جنوب أفريقيا الظلم فأحبت العدل، رزحت تحت نير التفرقة العنصرية فكرهت بغى إسرائيل على الفلسطينيين، جربت القهر العنصرى فكرهت كل من ينهجه وعلى رأسهم إسرائيل.

خاف العرب من إسرائيل، حتى اللجوء للمحاكم الدولية لإدانة إسرائيل لم يستخدموه خوفاً من الضغوط الأمريكية والأوروبية.

تقدمت جنوب أفريقيا فى خطوة شجاعة إلى محكمة العدل الدولية لإدانة إسرائيل، انتظر العرب جميعاً انضمام بعض الدول العربية إلى هذه الدعوى الجنائية، ولكن العرب خيبوا آمال جماهيرهم وأبنائهم.

تقدمت جنوب أفريقيا حيث تأخر الناس وأعطت حينما ضن الأصدقاء والإخوة بالعون والمساندة.

من أى معدن شريف بُنيت هذه الدولة العظيمة، حاملة لواء الحريات والعدالة الإنسانية؟ لا تهاب الضغوط الأمريكية والأوروبية، ولا تخشى بأسها، سلام عليكم أولاد وأحفاد «مانديلا»، فنعم ما زرع فيكم من قيم.

إسرائيل اشترت أفريقيا باستثناء جنوب أفريقيا، كانت عصية على أن تبيع نفسها فى سوق النخاسة الإسرائيلى الأمريكى، ترافق الزعيمان «مانديلا» وياسر عرفات، شعر كل منهما أنه صنو الآخر ورفيق كفاحه.

بعد انتخاب «مانديلا» قال كلمة رائعة جداً: «حريتنا لن تكتمل دون حرية الفلسطينيين»، وقارن بين تصرفات الفصل العنصرى فى بلاده وتصرفات إسرائيل مع الفلسطينيين، كانوا يسمون إسرائيل دوماً «دولة الفصل العنصرى».

شعرت جنوب أفريقيا دوماً أن مأساة فلسطين هى نفس مأساتها وآلامها وأحزانها، أيام الفصل العنصرى؛ «مانديلا» وتلاميذه أشهر من انتقدوا إسرائيل وفضحوا جبروتها وتعاطفوا وتآزروا مع الشعب الفلسطينى.

علاقة «مانديلا وعرفات» كانت أوثق من أى علاقة صداقة، كانت صداقة كفاح، واليوم يكرر المناضل الوطنى سيريل رامافوزا، رئيس أفريقيا، تعاليم أستاذه «مانديلا»، ويقف ببلاده فى أعظم موقف نصرة لشعب فلسطين الذى تخلى عنه العالم كله.

رئيس جنوب أفريقيا الحالى شجاع مثل «مانديلا»، ارتدى الكوفية الفلسطينية وحمل العلم الفلسطينى تعاطفاً مع الشعب الفلسطينى.

هناك تمثال لـ«مانديلا» فى الضفة الغربية؛ احتشد حوله الفلسطينيون عشية محكمة لاهاى، حاملين لافتات: «شكراً جنوب أفريقيا»، ونحن بدورنا نقول: «شكراً ملايين المرات لبلد الحريات والأحرار والأبطال، شكراً لأبناء وأحفاد مانديلا».

دأبت جنوب أفريقيا طوال 13 أسبوعاً تجمع الدليل تلو الآخر من أحداث غزة الأخيرة لتؤكد تعمد إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية للفلسطينيين فى غزة، هكذا هتف مندوبها الرائع أمام محكمة العدل الدولية، واتهم الاحتلال الإسرائيلى بأنه يتَّم أعداداً كبيرة من الأطفال فى غزة، وأن شاحنات المساعدات الإنسانية التى تدخل غزة تخضع لثلاث مراحل من التفتيش.

وهتف صائحاً فى العالم كله أمام المحكمة: «نية الإبادة الجماعية متوافرة لدى إسرائيل التى لم تتورع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين وقنص النساء والأطفال فى غزة».

واستشهد ممثل جنوب أفريقيا بتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلى: «إنهم يحاربون حيوانات بشرية»، وتصريحات رئيس الكنيست الذى دعا لمحو غزة من على وجه الأرض.

ها هو أكبر مندوبيها لدى المحكمة يقول: «أما حانت لحظة القصاص العادل من دولة الاحتلال التى مارست كل فنون الانتهاكات منذ 75 عاماً عبر استهداف المدارس التى لم ترحم أطفالها والمستشفيات التى لم تشفق على مرضاها، بل ووضعت النساء هدفاً لها، وداست المقدسات؟!».

وأضاف محقراً أوروبا: «لم يراع العالم المتشدق بحقوق الإنسان مآسى الفلسطينيين على مدار عقود فى ظل انحياز صارخ لكيان عنصرى وقادته الذين باتوا يشربون دماء البشر كالمياه».

واليوم تتجه أنظار الفلسطينيين المكلومين -الذين فقدوا فلذات أكبادهم- للقضاء الدولى لعله ينصفهم فى عالم افتقد أدنى معايير العدالة.

اتهم ممثل جنوب أفريقيا إسرائيل بأنها دفعت أهالى غزة إلى حافة المجاعة، وقال: «إن جرائم إسرائيل فى غزة تعد إبادة جماعية»، وأضاف: «تقتل إسرائيل كل يوم 48 امرأة، و117 طفلاً فى غزة»، ومعظم مبانى غزة ومنشآتها مُسحت من على وجه الأرض، وهجرت 1.9 مليون فلسطينى، وقتلت 23 ألف فلسطينى.

كل الفريق القانونى لجنوب أفريقيا مسيحيو الديانة، كلهم يقتدى بأمثال «النجاشى» و«مانديلا»، وهذا يعلّمنا أن نصرة المظلوم يمكن أن تأتى على أيدى أهل دين أو عرق آخر، والمسلمة الوحيدة فيه هى المحامية القديرة عديلة هاشم، وهى تعد مكسبا كبيرا للفريق، فهى قانونية فذة ذات مبادئ معروفة بمساهماتها الكبيرة فى حقوق الإنسان والحريات العامة وصاحبة مركز «القانون غير الربحى»، تدافع عن المجتمعات المهمشة مجاناً، تهتم بقضية فلسطين منذ اقتحام إسرائيل للخليل ومذبحتها فيها، وهى تردد دائماً: «احتلال إسرائيل أسوأ من التفرقة العنصرية التى كانت فى بلادنا».

سلام على الأحرار فى كل مكان.

د. ناجح إبراهيم – الشروق نيوز

Exit mobile version