العلاقات البينيّة بمنظار الموسيقى

قلت للقلم: ما رأيك في نقلة نوعية بعد الحديث عن العلاقات البينيّة العربيّة في عيون الكيمياء والفيزياء؟ كيف تكون الصورة من منظار الموسيقى؟ قال: حسبت أنك ستأتي بجديد، فالموسيقى من قرارها إلى جوابها فيزياء ورياضيات. لكن الموضوع جذّاب، فهل تحملني أم أحملك، على طريقة شنّ الذي وافق طبقة، تحدّثني أم أحدّثك؟ قلت: سأعطيك القوس، فكن باريها.

قال: أتذكر إذ حدّثتك قبل هذا العام، وربما قبل السنة التي سبقته، عن أن الموسيقى مدرسة عليا للإدارة وأكاديمية للعلوم الإدارية؟ ثمّ إنّ لها الكثير من صفات الكليّة العسكرية، فلا مجال لغير الانضباط، لهذا يحسن بنا نموذج الموسيقى الجادّة، أي الموسيقى السيمفونية، لأن النماذج العربية للفرقة، تشوبها أشكال من الفوضى وسوء التنسيق والخروج عن النص بذريعة التألق الفرديّ، فالأمثلة الجيّدة قليلة، والمثالية نادرة. من هنا، يجب أن تقوم العلاقات البينيّة بين البلدان العربية، على وحدة التردّدات (فريكانس) على غرار الآلات، ما يعرف بالدوزان. توحيد الترددات والإيقاعات جبلّة في أداء الدماغ، وليس حاصل دراسة موسيقية. حين يتجلّى الراحل عبدالباسط عبدالصمد، في الانتقال مثلاً من الحجاز إلى جواب الراست، ويتوقف هنيهةً، فإن حشود الحاضرين تصعد إلى جواب الراست: «الله»، في وحدة تردّد واحدة. من علّمهم التوافق والتناغم في المجاراة؟ كذلك هي وحدة إيقاع الخطى في الجيوش وما إليها.قلت:

المفارقة الغريبة، هي أن ما تفعله المئات والآلاف من الناس بتلقائية في مثل المحفل الذي ذكرته، نجد الأداء في السياسة والديبلوماسية وجميع أشكال العمل العربي المشترك، أعسر من عسير. هل يمكن أن يكون المثل المعيب: «اتفق العرب على ألاّ يتفقوا»، نتيجة هفوة عابرة؟ قال: هذا خلل في تربية أداء الدماغ لعدم تنشئته على الانضباط. وإلاّ ما كان العقل العربي يتوهّم أن الفوارق والاختلافات عوائق تحول دون التناغم. هل التباين في طرائق التفكير والسلوكيات الذهنية والعينيّة لدى العرب، أكثر حدّة من الفوارق في أصوات الآلات الموسيقية؟ شتان ما بين الكمان والباصون، الفلوت بيكولو(الناي الصغير) والتوبا النحاسية، الفيولا والنفير(الترومبيت)… ولكنها تلتقي متوافقة متناسقة متعانقة في السيمفونية الواحدة، الكونشرتو الواحد، كأنها مرايا متعاكسة، أو أرواح متجانسة. لأن السرّ كامن في وحدة التردّدات والذبذبات التي تنبثق منها تجاوبات الأصوات والنبرات.لزوم ما يلزم: النتيجة التناغمية: العلاقات البينيّة العربية، لو توافر لها الانضباط وحسن الإدارة، لكانت بوحدة الدين واللغة والثقافة والتاريخ، أشبه بانصهار الوتريات أو النافخات.

عبداللطيف الزبيدي – صحيفة الخليج

Exit mobile version