السودان بلد مترامي الأطراف، تبلغ مساحته بعد انفصال الجنوب تقريبا من 2 مليون كيلو متر مربع، وتكاد مساحته أن تعادل مساحة دول بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا مجتمعة، رغم ذلك فان تعداد سكان كل دولة من الدول الأوروبية أعلاه منفردة يفوق تعداد سكان السودان.
يجرى فى السودان أطول أنهار الكرة الارضية على الإطلاق بطول كلي من المنبع إلى المصب ما يعادل 6650 كيلومتر، وبتصريف يمثل 2.19% من جملة التصريف العالمي، فيما يبلغ عدد القبائل في السودان 570 قبيلة تقريبا تنقسم إلى 57 مجموعة عرقية يتحدثون 114 لغة مكتوبة ومنطوقة.
أما في أسوأ التصانيف التاريخية، فيصنف السودان بأنه من أعظم عشر حضارات في تاريخ البشرية وذلك عبر مملكة كوش، ويتحدث بعض الباحثين في التاريخ والحضارة الكوشية أنها الأقدم على الإطلاق، وذهب آخرون إلى أن بداية البشرية كانت في أرض السودان.
في السودان وفق معلومات تقريبية، يبلغ الاحتياطي التعديني المكتشف حوالى 1500 طن، حيث تعمل في السودان أكثر من 400 شركة استكشاف وانتاج بأحجام مختلفة، وتعمل بطرق أغلبها غير احترافية
احتياطي الذهب
الاحتياطي الجيولوجى للذهب فى العالم يقدر بـ 244 ألف طن، تم انتاج 187 ألف طن منها، وما تبقى هو 57 ألف طن، علما بأن الذهب من الموارد الناضبة غير المتجددة. ومن هذا المتبقي يمثل احتياطي أستراليا كأكبر دولة للاحتياطي، 8400 طن ولروسيا كأكبر ثاني احتياطي جيولوجى 6800 طن.
في السودان وفق معلومات تقريبية، يبلغ الاحتياطي التعديني المكتشف حوالى 1500 طن، حيث تعمل في السودان أكثر من 400 شركة استكشاف وانتاج بأحجام مختلفة، وتعمل بطرق أغلبها غير احترافية، لأنها شركات غير متخصصة وبرؤوس أموال أغلبها يسهل وصفه بأنها استثمارات من النوع الصغير في صناعة ذات مخاطر عالية وذات استثمار طويل الأجل. فإذا علمنا أن أكثر من ربع مساحة السودان مشغولة بالتعدين التقليدي والذى تتحدث التقارير الرسمية عن أن احصاءات ممارسيه لا تقل عن مليون وأربعمائة ألف معدن، ويعتبره خبراء عالميون أنه أكبر مجمع للتعدين التقليدي في العالم. وبالاستقراء وبتجميع المعلومات وإكمالها، فإن الاحتياطي الجيولوجي السوداني من الذهب، يعد من أكبر الاحتياطيات في العالم، وبقليل من الجرأة والبحث يمكن أن نتوقع أنه الأكبر على الإطلاق.
انتاج الذهب
يصنف منجم كيبالي المملوك لشركة باريك قولد فى جمهورية الكنغو الديمقراطية، بأنه أكبر منجم في أفريقيا لإنتاج الذهب والخامس عالميا بإنتاج 812 ألف اوقية فى العام 2021، بما يعادل 25 طن من الذهب تقريبا، كما تصنف الصين بأنها أكبر دولة منتجة للذهب فى العالم بإنتاج سنوي قدره 330 طن تقريبا
أنتج السودان وفق الإحصاءات الرسمية ما يزيد عن 771 طنا من الذهب خلال اثني عشرة عاما، أغلبها بطرق تقليدية لتعدين من سطح الأرض وبأعماق قليلة نسبيا، وذلك بمتوسط 64 طن في العام تقريبا. ولتعقيدات إدارية وفنية مرتبطة بالإحصاء وإدارة صناعة التعدين في السودان، نستطيع التأكيد على أن المتوسط للسنوات المتأخرة قد لا يقل عن 100 طن في العام، بالرغم من أن الشركات العاملة في استكشاف وإنتاج الذهب بأحجامه الكبيرة والصغيرة، ليس من بينها شركة واحدة مصنفة من بين العشرة الكبار في العالم، ولا العشرين الأوائل وربما ولا المئة من الشركات الكبيرة، التي يتواجد أغلبها فى بقاع القارة الأفريقية المختلفة. رغم ذلك يصنف إنتاج السودان من الذهب بأنه الثاني أو الثالث عشر عالميا، والثالث أو الرابع أفريقيا، بإمكانيات على عمومها يمكن وصفها بالتقليدية. فيما تؤكد القراءات بأن دخول ثلاثة أو أربع شركات تعدين عالمية إلى السودان، مع إيقاف التعدين التقليدي كفيل بأن يجعل مناجم السودان من أكبر مناجم إنتاج الذهب في العالم، والإنتاج الاجمالي منه من المنافس عالميا.
احتياطى البنوك المركزية
احتياطي صافي الذهب فى البنوك المركزية للدول تتصدره الولايات المتحدة الأميركية بـ 8133 طن، ويعتبر أكبر صافي ذهب في البنوك العربية من نصيب المملكة العربية السعودية بـ 323 طنا.
أما بنك السودان المركزي في غالب سنواته الأخيرة لم يكن له احتياطيا من الذهب، حيث يعمد البنك على بيع مخزونه وحصصه من الذهب باستمرار، لمقابلة احتياج ووارد الدولة. ووفق ما تقدم من معلومات، يعتبر بأن بنك السودان المركزي في ظروف استقرار مثالية أو مشابهة للمحيط الإقليمي يستطيع بسهولة بناء احتياطي عالمي من مستحقات الدولة من التعدين، حيث أن أغلب الإنتاج التقليدي الحالي يكون مملوكا لأفراد ولا تستطيع الدولة الحصول عليه إلا بالشراء المباشر من السوق المحلى.
الأطراف والحدود
تبلغ حدود السودان البرية 6751 كيلو مترا، وحدوده على ساحل البحر الأحمر 853 كيلو مترا، والإجمالي 7604 كيلو مترا، وهي تعتبر من أطول الحدود الدولية في أفريقيا والعالم، ويضاف لذلك أن معظم تلك الحدود فى مناطق دائمة الالتهاب تقريبا. ففي شرق السودان فى الحدود المتاخمة للحدود الإرترية، لا يوجد نشاط تعديني منظم لانتشار الألغام من بقايا حروب الشرق فى أواسط التسعينيات من القرن السابق. علما بأن الحدود الغربية لإريتريا المتاخمة للسودان تعمل فيها شركات عالمية لإنتاج الذهب.
وفي الحدود الجنوبية الشرقية المتاخمة لإثيوبيا، لم تتوقف التوترات العسكرية فى إقليم النيل الأزرق الخالي من التعدين المنظم تقريبا، علما بأن تلك المناطق تحاذي أقدم منجم للذهب فى أفريقيا في منطقة أسوسا، والتي فيها جبال بنى شنقول الممتدة للسودان والمشهورة تاريخيا بالذهب.
مناطق جنوب كردفان في أقصي الجنوب والمتاخمة لدولة جنوب السودان والتي يوجد بها واحدة من أكبر وأغنى كتل التعدين التقليدي للذهب فى السودان بالإضافة لوجود اليورانيوم والنحاس والفلور والحديد، تعتبر مناطق ذات توتر أمني قديم ومستمر ولا يوجد بها تعدين منظم.
غرب السودان يعتبر من أغنى المناطق بالذهب والماس واليورانيوم والحديد والرصاص ومعادن أخرى، حيث تشتهر مناطق جبل مرة وجبل عامر والمثلث وحفرة النحاس وغيرها بتلك الثروات، لكنها غير مستغلة بكفاءة بسبب التوتر الأمني المستمر إضافة للتوتر فى دول الجوار مثل تشاد وأفريقيا الوسطى.
يضاف إلى ذلك أن الولايات التى يوجد بها تعدين منظم ومستقر كولاية البحر الأحمر، تكثر فيها السلاسل الجبلية وهي متاخمة لشريط طويل على البحر الأحمر وولايات نهر النيل والشمالية، ولها حدود طويلة مع مصر وليبيا وتكثر فيها الصحاري وهي مشهورة منذ القدم بطرق التهريب الدولي، علما بأن ولايات الوسط كالخرطوم العاصمة والجزيرة والنيل الأبيض وسنار، لم يكتشف فيها ذهب بكميات تجارية حتى الآن.
صراع الموارد
عدم الاستقرار المذكور فى مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وبالرغم من الحروب المستمرة بها، فإن التعدين خارج الإطار الرسمي لم يتوقف بها، بل ضل إنتاجها من الذهب طريقه إلى خارج السودان عبر الحدود الطويلة والمفتوحة، ولا يستبعد بالطبع أن يكون قد أصبح مصدر دخل رئيسي للحركات المسلحة التى تسيطر على تلك المناطق، ما أدى غالبا إلى استدامة الصراع وتطوره، بالإضافة لارتباطه بمصادر تمويل وتجارة سلاح دولية لكونه سوق سوداء رابحة لعملها في ظل اللادولة ، وخارج إطار الرقابة كليا. ويقرأ ذلك مع وجود مصافي للذهب في دول الجوار وجوار الجوار، ومن المشهور أن تلك الدول غير منتجة للذهب.
القراءات المذكورة أعلاه للسودان، البلد القارة البكر، تجعل المتفكر فيها ينظر إلى تاريخ السودان و لحروب التى قامت فيه بعين الريبة والعجب. فإذا علمنا بأن الخريطة السياسية الحديثة للعالم قد تم رسمها على الورق إثر حرب عالمية قبل قرن ونيف من الزمان، وإذا علمنا بأن الحروب العالمية تاريخيا هي حروب حول الموارد، فإن صراع الموارد ذاك الذي أهدى العالم فى غالبه 100 عام من الاستقرار قد أهدى السودان مئة عام من الحروب والتيه وعدم الاستقرار. والآن مجددا قد لاحت مبادئ عودة الصراع الدولي حول الموارد من حيث انتهى. والسودان في قلب ذلك الصراع، وطبيعة هذا الصراع أنه يبدأ بمشروع خلط الأوراق وطمس المعالم والهوية وتشويه الحقوق وإثارة الشكوك حولها تمهيدا لإعادة التشكيل والتوزيع بلا عناء، أما المؤكد هو أن الحرب لم تبدأ بعد.
الجزيرة نت