حرب بلا إعلام (4 من 5)
🚨 القوة المعنوية تساوي ثلاثة أرباع القوة عامة في المجهود الحربي – نابليون
✍🏾 عثمان أبوزيد
يرى البروفيسور علي عيسى الرئيس الأسبق لفرع الحرب النفسية في القوات المسلحة أن الحرب النفسية، تغير اسمها منذ أكثر من ربع قرن من قبل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليصبح اسمها العمليات النفسية فمصطلح العمليات أشمل، يتجاوز مسرح الحرب وتداعياتها إلى آفاق أوسع تشمل كل مظاهر الحياة المدنية والعسكرية للعدو.
ويلزم لإحكام الحرب النفسية إعداد رجال (عمليات خاصة نفسية)، وبناء مهارات في ظل التغيرات التقنية المتلاحقة، مع المواكبة المستمرة للجديد في هذا المجال.
من أهم المبادئ في الحرب النفسية؛ حرب العقول والقلوب تحقيق السبق والمبادرة:
هذا مبدأ جوهري في استراتيجية إدارة الأزمة أن تصبح الأول دائمًا Be the first
وهكذا نكون مؤثرين في الأحداث لا مجرد مستجيبين لها.
من الأمثلة الواضحة على النجاح في ذلك أن الجيش السوداني هو من بادر بالإخبار عن تدمير كوبري شمبات صباح السبت 11 نوفمبر، وقام الإعلام المساند له بحملة قوية أكدت اتهام قوات الدعم السريع المتمردة بهذا الفعل.
وبنظرة عامة فإن قوات الدعم السريع المتمردة اتسمت بالسرعة ومرونة الحركة في حربها النفسية، فمثلما أن السرعة جزء من تكتيكاتها في القتال، فإن السرعة جزء من أدائها الإعلامي، ولذلك تقع في الأخطاء الفاحشة.
في المقابل فإن المؤسسات الرسمية يكون عندها تحرز في الإجراءات قد يبطل روح المبادأة، فلكي يخرج تصريح من الناطق الرسمي يخضع لمراجعات عديدة بما فيها مراجعة الإدارة القانونية.
يلاحظ المراقبون ضعف الإعلام الخارجي لحرب الخرطوم، وقد انصرف الإعلام الدولي بالكامل عن الحرب في الخرطوم عندما بدأت حرب غزة في السابع من أكتوبر، وقد يعزو البعض تجاهل حرب الخرطوم بعد اندلاع حرب غزة إلى أهمية القضية الفلسطينية والموقف المحوري لإسرائيل في العالم، لكن هناك سبب إجرائي هو أن الحرب في غزة رغم قساوتها يستطيع المراسل الحربي أن يعمل فيها، وما تزال التقاليد مرعية نوعًا ما باحترام شارة الإعلام وعدم التعرض للإعلاميين مع أن (عدد الشهداء من الصحفيين في حرب غزة حتى اليوم 99 شهيدًا).
في الأيام الأولى لحرب الخرطوم كانت للقنوات الفضائية مكاتبها في فندق كورنثيا، ولم يلبث أن احتلتها قوات الدعم السريع، وبصعوبة نجا الصحفيون بأرواحهم. يروي لي أحدهم أنه قضي وقتًا طويلا في بدروم الفندق حتى حانت فرصة تسلل إلى داخل جزيرة توتي.
من المعروف أن الجيوش بدأت تتبع طريقة (الإلحاقEmpedding ) للمراسلين ضمن طاقمها العسكري. بدأت ذلك منذ حرب الخليج، وتخضع جميع المراسلات لرقابة الجيش.
في غياب المراسلين الحربيين وبسبب التكتم والحِمية الإعلامية وانعدام التقارير الميدانية صار الجمهور يتلقى بلهفة بعض الإسهامات من الهواة.
في 20 أكتوبر قدم أحدهم مشاهد فيديو من السوق العربي، وهو في رحلة بحث عن ماء الشرب والأكل، لكنه قدم خدمة إعلامية تضاهي ما تقدمه القنوات الفضائية.
ويُذكر أن تسجيلا صوتيًا لأحد سائقي البصات السفرية، قدَّم عرضًا
مهمًا باللغة النوبية، وهذه التسجيلات الصوتية تكون عادة مداخلات في مجموعات واتسابية، لكنها حققت انتشارًا فيروسيا أو كما يعبرون في
الإنجليزية Gone viral ومن الأمثلة أيضًا صورة إمام مسجد في عطبرة بملابس عسكرية يخطب خطبة الجمعة وهو يتوكأ على بندقية. كانت هذه صورة التقطها أحد المصلين سرعان ما تلقفتها الصحف الالكترونية ومجموعات واتس أب.
وبسبب نقص الإعلام صار من الظواهر اللافتة في هذه الحرب وجود (اللايفاتية)،
وأغلبهم – إلا من رحم ربك – يتحدثون في كل شيء يخطر على بالهم،
ويقولون كل ما يفكرون به دون خوف من عقاب.
هؤلاء فرقٌ بينهم وبين المؤثرين Influencers فهم لا يلتزمون قواعد السلوك التواصلي المناسب التي ارتضاها من أنشأ هذه الصيغة الإعلامية
وهي صيغة التعليق الحي المباشر LTC اختصارا لـ Live Text Commentary
أما المؤثرون فهم ذوو اختصاص، وهوياتهم غير مخفية. وهم يجتهدون في تحضير مادتهم ومراجعتها، بل لدى البعض منهم مجلس (بورد) يناقش القضية المثارة، وقد يضع خريطة لمسار الحديث أو (سكريبت) بلغة أهل الفن.
وهم يتجنبون قدر الإمكان الوقوع في الأخطاء المميتة للخطاب الشعبوي
مثل الكذب والافتراضات غير المستساغة أو السخرية والإساءة والتهديد وترداد الكلام كأنهم في (شكلة كاربة).
وقد يصل الواحد من هؤلاء درجة استخدام كلام بذيء تمجُّه الأسماع دون اعتبار للخلق الحميد. ولا يعلم هذا المسكين أنه بسلوكه هذا يصرف الناس عن الاستماع إليه والفرار منه.
هناك إتيكيت خاص بالنت، يتقيد به الإعلاميون المهنيون، وصار معروفا
باسم (النيتيكيت) Netiquette.
وظاهرة اللايفاتية تحتاج لدراسة مختصة، وهي مع أنها قديمة فقد ازدادت بفعل الإعلام الالكتروني.
يوجد مثل شعبي في اللغة الولوفية وهي لغة أهل السنغال، يقول: القوَّال يموت في المعركة التي يكون أعلى صوتا فيها…
والقوَّال (الفلنقاي بتعبير أهلنا في دارفور) هو الشخص المكلف من قائد الجيش بتبليغ التعليمات في المعركة، وهو الذي يحمس الجند للقتال.
ولا شك أن القوَّال حين لا يكون معتدلا في طريقة التبليغ أو حين يخطئ في أداء الرسائل، أو حين يرفع صوته أكثر من اللازم فإنه يتعرض لسهام الأعداء، ويكون في ذلك حتفه.
(الصورة لطفلة قيل إن أهلها نسوها عندما فروا من مدينة ود مدني)