معركة حنتوب هي المعركة الفاصلة في هذه الحرب، إنها معركة الخرطوم المؤجلة تُخاض الآن في شرق الجزيرة

المليشيا قفزت قفزة هائلة للأمام ونقلت المعركة إلى قلب السودان، ولكنها تقامر بكل شيء؛ لو نجحت المليشيا في الاحتفاظ بوجودها في شرق الجزيرة لأطول مدة ممكنة تكون قد كسبت المعركة وربما الحرب كلها. ولكن خسارة معركة حنتوب تعني السحق الكامل لقواتها في الخرطوم.

المعركة ليست في مدني ولكن في شرقها، في حنتوب وفي شرق الجزيرة؛ إذا ثبّتت المليشيا أقدامها في حنتوب وما حولها تكون قد عزلت ليس مدني وحدها أو ولاية الجزيرة وحدها عن باقي السودان وإنما ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق وولايات كردفان الثلاثة وما تبقى من دارفور، كل هذا يكون قد أصبح خلفها وخارج الدولة حرفياً. كبري حنتوب هو الرابط الوحيد بين هذه الولايات وبورتسودان، الميناء وكل الإمدادات والصادر والوارد؛ السيطرة على شرق الجزيرة تعني قطع كل هذه الولايات عن بورتسودان وسواكن وعن ولايات الشرق. وأكثر من ذلك، بوجود المليشيا في شرق الجزيرة يعني انفتاحها شرقاً عبر سهول البطانة حتى الحدود الشرقية، الجزء الغربي مم ولاية القضارف حالياً في حكم سيطرة المليشيا فعلياً، وإذا لم يتم سحقها في شرق الجزيرة فما هي إلا ساعات معدودة وتسولي على القضارف، وتصل الحدود الإثيوبية وبذلك تفتح لنفسها خطوط إمداد من الشرق عبر إثيوبيا وعبر موانئ كينيا، وكذلك يصبح ساحل البحر الأحمر على مرمى حجر منها، وسيكون سقوط بورتسودان مسألة وقت. هذه هي خطورة المعركة الحالية، ويجب أخذها بكل الجدية اللازمة.
لذلك، لابد من سحق المليشيا في شرق الجزيرة مهما تطلب الأمر؛ إذا دخلوا أحياء أو منازل في حنتوب أو في أي قرية فيجب خروج المواطنين فوراً ومن ثم يجب سحقهم وتسوية هذه المنطقة بالأرض إن تطلب الأمر ذلك. هذه مسألة لا تحتمل أي تأخير أو تهاون. ليتردد الجيش وسيرى تاتشرات الدعم السريع في القضارف والقلابات وفي سواكن (لا حاجة لهم بكسلا)، وبورتسودان نفسها ستكون عديمة القيمة وبلا أي معنى.

أنا لا أقول هذا الكلام من أجل التخويف ونشر الرعب؛ الوضع ما يزال في صالح الجيش. خطوة المليشيا بالهجوم على الجزيرة هي هروب للأمام، ولكنه هروب خطير. هي لم تهزم الجيش في الخرطوم؛ فشلت في معارك القيادة وفي المدرعات والإشارة وفي أم درمان يزحف الجيش بثبات ليضيق عليها الخناق، وتم قطع أهم خط إمداد لها من الغرب، ولذلك فهي تهرب نحو الجزيرة. وهي تحارب في بيئة معادية لها، بدون حاضنة شعبية، بدون خطوط إمداد، بدون مساحات للتخفي والمناورة في أرض مكشوفة بالمعنى الجغرافي وإستخبارياً أيضاً؛ حتى الآن الوضع ليس في صالح المليشيا، ولكن إن لم يتم سحقها فهذا لن يستمر طويلاً؛ ستتعرف على المناطق، وستثبت نفسها، وستأمن خطوط إمداد من الشرق، بينما يكون الجيش هو المحاصر بعد قطع طريق مدني والسيطرة على الشرق.

الجانب الآخر هو الفوضى الأمنية والكارثة الإنسانية التي يمكن أن يتسبب فيها هذا الوضع. الجزيرة والقضارف أراضي خصبة ومضيافة ومغرية لأوباش الصحراء ربما أكثر من عمارات الخرطوم؛ فهناك الثروة الحيوانية، لحوم وألبان وسعية وماء وكلأ، وهناك أموال وحديد وأيضاً نساء! فماذا يريدون أكثر من ذلك؟ إنها مغرية للاستيطان لبدو الصحراء وللمرتزقة من أي مكان.
هذه معركة مصيرية على الشعب السوداني أن يخوضها بكرامة إن كان يستحق الحياة على أرضه بكرامة؛ وإلا فو الله فهو لا يستحق أن يحيا بكرامة أو بدونها لا على أرض السودان أو في أي مكان آخر. لا يُعقل أن يهرب ملايين السودانيين ويتركوا أرضهم وأموالهم لحفنة ألوف من الأوباش المرتزقة؛ هذه الحرب ليست حرب الجيش هي حرب الشعب السوداني؛ الجيش مجرد مؤسسة مثل أي مؤسسة في الدولة؛ نعم وظيفته أن يدافع وهو يقوم بذلك بكل شجاعة وإخلاص، ولكن الدولة والأرض والعرض هي ملك الشعب، ويجب أن يدافع عن نفسه.

حليم عباس

Exit mobile version